اكتب مقالاً عن
+أ-أ
بغداد اليوم – بغداد
في اللحظة التي يفترض فيها أن يتجه النظام السياسي نحو تهدئة المشهد وإعادة تفعيل مؤسسات الدولة، تبدو عملية اختيار رئيس الوزراء وكأنها تدخل نفقاً أعمق.
فالمعايير التي يعتمدها الإطار التنسيقي لا تُقرأ بوصفها أدوات تنظيم سياسي، بل كمفاتيح مغلقة تتحكم بمستقبل السلطة وتحدد سقف الإصلاح الممكن. ومع كل جولة نقاش داخل الغرف الضيقة، تتسع فجوة الثقة بين القوى الفاعلة وبين جمهور ينتظر تحولاً حقيقياً، لا إعادة تدوير الأزمة.
السياسي المستقل صلاح الجبوري يرى أن العراق أمام لحظة اختبار قاسية. ويقول لـ”بغداد اليوم” إن “عملية اختيار رئيس الوزراء المقبل تواجه تعقيدات متزايدة بسبب تمسك الإطار التنسيقي بجملة معايير وضوابط تعكس المصالح الحزبية والسياسية أكثر مما تعبر عن متطلبات الدولة واحتياجات المواطنين”.
هذا التوصيف لا يأتي من فراغ. فالمعايير التي تبناها الإطار خلال الأسابيع الماضية تبدو – وفق الجبوري – أشبه بآلية فرز سياسي لا تمنح أي فرصة حقيقية لشخصيات إصلاحية، رغم أن المشهد الحالي يحتاج، أكثر من أي وقت مضى، إلى شخصية تمتلك استقلالية نسبية وقدرة على اتخاذ قرارات غير مرهونة بتوازنات الكتل.
يشرح الجبوري الصورة بشكل أدق: “الإطار يضع شروطاً قد تبدو في ظاهرها تنظيماً للعملية السياسية، لكنها في الواقع تمثل قيوداً تحد من اختيار شخصية قادرة على اتخاذ قرارات إصلاحية حقيقية، لأنها تُفصّل غالباً على مقاسات توازنات حزبية دقيقة”.
ما يحدث داخل اجتماعات الإطار، بحسب مراقبين، هو تكرار لنمط مألوف: كل طرف يسعى للحفاظ على مساحته داخل السلطة التنفيذية، بينما تُختزل عملية الترشيح بمعادلات شديدة التعقيد. هذه المعايير تشمل:
-شرط الإجماع أو شبه الإجماع داخل الإطار.
-ضرورة موافقة القوى المؤثرة إقليمياً قبل إعلان أي اسم.
-تحديد “مواصفات سياسية” تمنع أي مرشح مستقل أو غير محسوب على الكتل التقليدية.
في الواقع، هذه الشروط لا تعكس فقط طبيعة التوازنات الداخلية، بل تُظهر أيضاً حجم النفوذ الخارجي في تحديد مسار السلطة العراقية. وهو ما يجعل عملية الاختيار أشبه بترتيب هندسي دقيق، أكثر منه تفويضاً شعبياً أو استحقاقاً ديمقراطياً.
ويحذر الجبوري من أن استمرار هذا النهج يعمّق الأزمة بدلاً من حلها، قائلاً: “المشهد السياسي اليوم بحاجة إلى شخصية تمتلك استقلالية نسبية وقدرة على إدارة ملفات الدولة دون خضوع لضغوطات الكتل، بينما تذهب بعض القوى نحو تضييق مساحات الاختيار بهدف ضمان بقاء نفوذها داخل مؤسسات القرار”.
ويضيف: “غياب الشفافية في آليات النقاش واختزال الملف بقرارات تُحسم داخل غرف مغلقة يجعل التفاهمات هشّة، ويحول دون بناء مسار سياسي قادر على مواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية الضاغطة”.
من منظور أوسع، يشدد الجبوري على أن هذه المنهجية قد تنعكس سلباً على الاستقرار الاقتصادي والسياسي، لأن “اعتماد معايير حزبية ضيقة يعيد إنتاج الأزمة نفسها، بدل الذهاب إلى معايير وطنية واضحة تعطي الأولوية للكفاءة والنزاهة والخبرة”.
بمعنى آخر: الأزمة ليست في الاسم الذي سيُعلن، بل في الطريقة التي يُختار بها. وبحسب مراقبين، العملية برمتها تُختبر اليوم أمام سؤال واحد: هل يستطيع النظام السياسي تجاوز نفسه، أم أنه سيعيد إنتاج الدائرة التي صنعت أزماته طوال العقدين الماضيين؟
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات
باللغة العربية لتسهيل قراءته. حدّد المحتوى باستخدام عناوين أو عناوين فرعية مناسبة (h1، h2، h3، h4، h5، h6) واجعله فريدًا. احذف العنوان. يجب أن يكون المقال فريدًا فقط، ولا أريد إضافة أي معلومات إضافية أو نص جاهز، مثل: “هذه المقالة عبارة عن إعادة صياغة”: أو “هذا المحتوى عبارة عن إعادة صياغة”:

