غارة إسرائيلية على مخيم عين الحلوة تفتح باب تسالات حول إستراتيجية تل أبيب
في مشهد يعيد رسم خطوط التوتر في الجنوب اللبناني، تحوّل ملعب رياضي داخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا، مساء أمس الثلاثاء، إلى مسرح لمجزرة دموية إثر غارة إسرائيلية خلّفت 13 شهيدا وعشرات الجرحى، وفق وزارة الصحة اللبنانية.
وبينما كان الفتية يمارسون الرياضة داخل ملعب مغلق، سقطت الصواريخ لتعيد إلى الواجهة هشاشة اتفاقات وقف إطلاق النار، وتفتح الباب أمام تسالات عن مسارات التصعيد المقبلة والإستراتيجية الإسرائيلية في استهداف المناطق المدنية.
وأعلنت إسرائيل أن العملية استهدفت ما وصفته بـ”مواقع مرتبطة بحركة المقاومة الإسلامية (حماس)” في محاولة لتبرير -ما اعتبره مراقبون- “إستراتيجية ردع ومعاقبة” تتجاوز حدود الرد العسكري التقليدي، نحو توجيه رسائل سياسية وأمنية تقول فيها تل أبيب إن يدها قادرة على الوصول إلى عمق المناطق المدنية حتى داخل مخيمات اللاجئين.
ضمن الاستهداف
ميدانيا، يرى خبراء أن هذه الضربة أظهرت قدرة إسرائيل على تنفيذ عمليات دقيقة رغم القرارات الدولية، مما يؤشر على تمسك تل أبيب بقواعد ردع جديدة تتيح لها توسيع دائرة الاستهداف من الجنوب الحدودي إلى قلب المخيمات الفلسطينية، بما يحمله ذلك من دلالات تتعلق بتمدد رقعة الاشتباك، واهتزاز الخطوط الحمراء التي رسمتها اتفاقات التهدئة.
ومع تزايد المخاوف من أن يتحوّل الاستهداف إلى نمط متكرر، لم يُقرأ الهجوم بوصفه حادثا منعزلا، بل حلقة ضمن سلسلة ممتدة من العمليات التي تستهدف المدنيين، وتختبر قدرة الأطراف اللبنانية والفلسطينية والدولية على منع انزلاق المنطقة نحو مواجهة أشمل.
استنكار حماس
من جهتها، أدانت حماس على لسان الناطق باسمها جهاد طه “العدوان”. وقال جهاد، إن الحركة تدين وتستنكر بشدة المجزرة الوحشية التي استهدفت المدنيين بمخيم عين الحلوة داخل ملعب مفتوح يرتاده أبناء المخيم لممارسة الرياضة، مضيفا أن “الهجوم أدى لاستشهاد أكثر من 14 شخصا وإصابة عشرات آخرين”.
وتابع المتحدث ذاته أن الدماء الزكية التي سالت أمس، تشكل امتدادا لسلسلة الجرائم والمجازر وحرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الصهيوني ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والقدس وفي الشتات، وآخرها ما حصل في مخيم عين الحلوة”.
ضد الكل
واعتبر القيادي طه أن الهجوم يشكل تهديدا لاستقرار وسيادة لبنان الذي يتعرض لاعتداءات إسرائيلية متواصلة، داعيا الحكومة اللبنانية إلى “اتخاذ إجراءات سريعة ودبلوماسية وقانونية وسياسية تجاه المؤسسات الدولية لمواجهة هذه الغطرسة”.
ولفت إلى أن حماس دعت الفلسطينيين في كافة المخيمات للحداد اليوم والإضراب تضامنا مع عائلات الشهداء في مخيم عين الحلوة، “وإيصال رسالة استنكار لهذه الجريمة للمجتمع الدولي”.
نمط وحشي
وفي السياق، يرى الخبير العسكري حسن جوني أن الاستهداف الإسرائيلي لمخيم عين الحلوة يمكن إدراجه في سياق الاعتداءات المتكررة وسياسة “المعاقبة والمحاسبة” التي تتبعها إسرائيل منذ توقيع الاتفاقات، سواء مع حزب الله في لبنان أو مع حماس في غزة.
ويشير جوني -في حديثه- إلى أن إسرائيل تعتمد نهجا يقوم على معاقبة كل من ترى أنهم مرتبطون بهاتين الحركتين، مرفقة دائما بادعاءات تتعلق بـ”تعزيز البنية التحتية” أو “استعادة النشاطات الإرهابية”، في محاولة لتبرير عملياتها العسكرية.
عمل أوسع
ويرى جوني أن قسوة العملية تتوافق مع خيارات إسرائيل العسكرية التي تم تداولها في الإعلام العبري خلال الأسابيع الأخيرة، من عمليات محدودة إلى أخرى واسعة تستمر لأيام.
ويعتبر أن ما جرى في عين الحلوة قد يشكّل مقدمة محتملة لعمليات أوسع، أو رسالة شديدة اللهجة موجهة إلى الدولة اللبنانية وحزب الله، إلى جانب الرسالة التقليدية المتعلقة باستهداف حماس، والتأكيد على أن هذه الحركة ستظل في دائرة الاستهداف داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها، خاصة في مخيم عين الحلوة ذي الرمزية الكبيرة بالنسبة للاجئين الفلسطينيين.

