غياب التيار الصدري: تأثير على الانتخابات البرلمانية
تأثير الغياب على المشاركة والتركيبة السياسية
في لحظة سياسية مشحونة تتجاوز حدود الأرقام التي أعلنتها المفوضية، يبرز غياب التيار الصدري عن الانتخابات البرلمانية كأحد أكثر العوامل تأثيراً على شكل المشاركة وتركيبة المزاج العام. هذا الغياب لم يكن العامل الوحيد القادر على تفسير النتائج ونسب الإقبال التي بلغت 56%. المشهد الانتخابي أكثر تعقيداً من اختزاله بصيغة حسابية تربط بين نسبة العزوف ونفوذ التيار الصدري.
قراءة مضللة
يرى المختص في الشؤون الاستراتيجية مصطفى الطائي أن "القراءة الرقمية الخالصة، التي تفترض أن التيار الصدري يمثل الـ45% من غير المشاركين، قراءة مضللة، لأنها تتجاهل البعد النفسي والاجتماعي للعزوف". غياب التيار ترك فراغاً ضمن مناطق نفوذ محددة، لكنه لم يكن المحدد الوحيد في تشكيل نسبة الإقبال. حجم التيار في أقصى تقديراته يتراوح بين 10% و15% من مجموع الناخبين، وهو رقم يضع التيار في موقع فاعل لكنه غير قادر على احتكار تفسير المشهد الانتخابي.
السلوك الانتخابي في العراق
السلوك الانتخابي في العراق ليس انعكاساً آلياً لوجود أو غياب فصيل سياسي واحد، بل نتاج تراكمات اجتماعية، وضغط اقتصادي، وتصاعد شعور باللايقين السياسي. العراق يعيش منذ سنوات حالة سيولة سياسية تمنع استقرار المزاج العام، ما يجعل قرار المشاركة أو المقاطعة جزءاً من جدلية أكبر تتعلق بثقة المواطن بقدرة النظام على إنتاج تغيير حقيقي.
تغريدة مقتدى الصدر
جاءت تغريدة السيد مقتدى الصدر، التي نشرها مباشرة بعد إغلاق صناديق الاقتراع، بوصفها واحدة من أكثر الإشارات السياسية حساسية خلال مرحلة ما بعد التصويت. حملت التغريدة تحذيراً من “إعادة العراق إلى ساحة الفساد”، وأعقبتها رسالة عتب إلى المرجعية؛ وهما رسالتان تعكسان رغبة الصدر في إعادة تعريف موقعه داخل المعادلة من خارج البرلمان، لا من داخله.
رغبة الصدر في التأثير
يقول أحد الباحثين إن الصدر "يحاول تثبيت معادلة جديدة مفادها أن غيابه لا يعني تفكك نفوذه، وأن التيار يملك قدرة على التأثير تتجاوز الصندوق الانتخابي". ويذهب آخرون إلى أن خطاب الصدر بدا "تأسيساً لموقع تفاوضي غير معلن"، إذ اختار لحظة انتقالية دقيقة بين إغلاق الصناديق وبدء مفاوضات تشكيل الكتلة الأكبر.
العزوف والفراغ السياسي
تُظهر الحوادث السياسية المتعاقبة أن التيار الصدري لا ينظر إلى المقاطعة بوصفها انسحاباً من النظام السياسي، بل كأداة ضغط يعاد استخدامها عند الضرورة. وقد رأى مراقبون في تغريدة الصدر وما تلاها، إشارة إلى أن التيار لا يمنح شرعية صامتة لأي ترتيبات حكومية تتجاهل وزنه الاجتماعي. هذا يجعل أي حكومة مقبلة مضطرة إلى التعامل مع التيار، سواء شارك أو بقي خارج البرلمان.
التحليل الاستراتيجي
من منظور استراتيجي، تبدو نتائج الانتخابات الأخيرة أقرب إلى عملية إعادة توزيع للثقل السياسي أكثر من كونها حدثاً انتخابياً تقليدياً. فارتفاع نسبة المشاركة إلى 55%، رغم التوقعات المتشائمة، يشير إلى أن المجتمع العراقي يتحرك وفق ديناميكيات أوسع من حدود التيارات المنظمة.
مستقبل التحالفات
الفراغ الذي تركه التيار الصدري لم يتحول إلى فراغ انتخابي، بل إلى ساحة تنافس جديدة ملأتها قواعد اجتماعية متضررة من الأداء الاقتصادي والخدماتي. هذا يجعل المشهد المقبل مفتوحاً أمام إعادة بناء تحالفات غير تقليدية لا تقوم على منطق الغالب والمغلوب، بل على سرديات جديدة تحاول القوى إنتاجها في محاولة للتماهي مع المزاج الشعبي.
الخلاصة
يبدو أن غياب التيار الصدري عن الانتخابات لم يلغ تأثيره بقدر ما أعاد توزيعه. التغريدة، ورسالة العتب، ومواقف الصدر المتدرجة، كلها تشير إلى أن التيار يهيئ موقعه لدور غير انتخابي، لكنه سياسي بامتياز. المعادلة التي يكرسها التيار اليوم يمكن تلخيصها كالتالي: خارج البرلمان… لكن داخل المعادلة، لا يصوت… لكنه لا يتنازل عن حق الاعتراض، يغيب انتخابياً… لكنه يحضر تحديداً عندما تتشكل الحكومات.

