أزمة المياه بين العراق وتركيا: تحديات وفرص
خلفية الأزمة
تتفاقم أزمة المياه في العراق مع اقتراب موسم الشتاء من نهايته دون أمطار كافية، ويعاني البلاد من انخفاض في تدفقات نهري دجلة والفرات، مما يهدد المدن الزراعية ومياه الشرب. وتجدد الموقف التركي رفضه لإطلاق كميات من مياه نهري دجلة والفرات نحو الأراضي العراقية، بذريعة "عدم وضوح الاتفاق المبرم بين الجانبين".
التاريخ المائي بين العراق وتركيا
لم يُبرم العراق وتركيا اتفاقاً مائياً نهائياً ملزمًا، بل سلسلة تفاهمات ومذكرات منذ 1980 حتى 2025، ظلّت جميعها محاطة بالغموض في ما يتعلق بالحصة المائية لكل طرف. وفي نيسان 2024 وقّع البلدان اتفاقا إطاريا لإدارة الموارد المائية لمدة عشر سنوات، يتضمن تبادل بيانات وإنشاء لجان مشتركة، لكن الاتفاق لم يتضمّن أي التزام صريح بإطلاق كميات محددة من المياه إلى العراق.
الصيغة الجديدة
في تشرين الثاني 2025 جرى توقيع اتفاق جديد يتحدث عن "مشاريع تركية لتمويل بنى تحتية مائية داخل العراق"، تُموّل من عائدات نفطية عراقية، وهو ما أثار اعتراضات في بغداد لاحتوائه على بنود تمنح أنقرة صلاحيات تنفيذية مؤقتة في إدارة بعض المشاريع المائية. يرى مختصون أن الصيغة الجديدة تُحوّل التعاون المائي إلى "شراكة اقتصادية" بدلاً من اتفاق توزيع حصص، ما يمنح تركيا نفوذاً اقتصادياً إضافياً داخل العراق مقابل تخفيف محدود لأزمة الجفاف.
التأثير على العراق
منذ صيف 2024 تراجعت مناسيب نهر دجلة إلى أدنى مستوياتها منذ عقدين، فيما فقدت بعض مناطق الجنوب جودة مياه الشرب بسبب ارتفاع الملوحة وتلوث المياه الراكدة. بحسب وزارة الموارد المائية العراقية، فإن تدفق نهر الفرات انخفض بنسبة 45 في المئة منذ بداية 2025، وهو ما يهدد الموسم الزراعي الشتوي بالكامل.
الموقف التركي
تركيا تبرر تقليص الإطلاقات بكون العراق لم يلتزم ببناء خزانات تنظيمية ومشاريع ريّ حديثة لتقليل الهدر، وتقول إن "أي زيادة في الإطلاقات يجب أن تكون ضمن اتفاق واضح ومكتوب". لكن مراقبين يرون أن الموقف التركي يرتبط بالضغط السياسي أكثر مما هو فني، وأن أنقرة تحاول استخدام الورقة المائية في مفاوضات أخرى تخص الأمن والاقتصاد والحدود.
التحديات والفرص
يرى مختصون أن العراق يحتاج إلى استراتيجية وطنية للمياه تتجاوز ردود الأفعال الموسمية، وتستند إلى أدوات تفاوضية مدعومة ببيانات علمية وخطط استثمارية واقعية. ويقول مراقبون أن ملف المياه بين بغداد وأنقرة لم يعد مسألة تدفقات موسمية فحسب، بل تحوّل إلى ملف سيادي واستراتيجي يختبر توازن القوى في المنطقة.
الخلاصة
أزمة المياه بين العراق وتركيا هي تحدٍ كبير يهدد مستقبل البلاد، ويتطلب التفاوض بذكاء وحنكة لتحقيق حصة عادلة وثابتة للعراق. يجب على الحكومة العراقية أن تضع استراتيجية وطنية للمياه تتوازن بين الحاجة إلى المياه والضغوط السياسية والاقتصادية، وتضمن حقوق العراق التاريخية في زمن الجفاف والمساومات.

