الغاز الأمريكي في العراق: تحول استراتيجي أم تبعية جديدة؟
الخلفية
حين تتدفق أولى شحنات الغاز الأمريكي إلى الموانئ العراقية في صيف العام المقبل، لن يكون الأمر مجرد صفقة طاقة عابرة، بل منعطفاً جديداً في علاقة بغداد بواشنطن، يختبر قدرة العراق على تحقيق توازنٍ دقيق بين حاجاته الاقتصادية وضغوط الجغرافيا السياسية.
الخطة الأمريكية
يقول الخبير في شؤون النفط والطاقة أحمد عسكر إن خطة الولايات المتحدة لتزويد العراق بالغاز الطبيعي المسال لمدة خمس سنوات، عبر المنصة العائمة التي ستنفذها شركة إكسيليريت إنرجي الأمريكية بطاقة تصل إلى 15 مليون متر مكعب يومياً، تمثل “خطوة استراتيجية لتعزيز أمن الطاقة الوطني وتقليل الاعتماد على مصدر واحد”، مشيراً إلى أن المشروع يأتي في لحظة حرجة من تاريخ منظومة الكهرباء العراقية التي لطالما كانت رهينة التقلبات الإقليمية.
الفوائد التقنية والاقتصادية
ويرى عسكر أن الاتفاق يحمل فوائد تقنية واقتصادية متعددة، أبرزها دعم استقرار إنتاج الكهرباء في مواسم الذروة الصيفية، وتوفير بديل مرحلي آمن يحد من اضطراب الإمدادات، إضافة إلى نقل خبرات وتقنيات متطورة في مجال استلام وتحويل الغاز المسال إلى البنية التحتية العراقية.
التبعية الجديدة
لكن الصورة ليست وردية بالكامل. فـ”التبعية الجديدة”، كما يسميها عسكر، قد تكون الثمن الخفي لهذا الاتفاق. فالعراق، الذي يشتري اليوم الغاز من إيران بأسعار تفضيلية نسبياً، سيواجه مع الغاز الأمريكي تكاليف تشغيلية أعلى مرتبطة بالنقل والتخزين والتحويل.
الأبعاد السياسية
ويحذّر عسكر من أن الصفقة تحمل أبعاداً سياسية بقدر ما تحمل من معاني اقتصادية، فـ”الغاز الأمريكي ليس مجرد طاقة، بل أداة نفوذ”، بحسب تعبيره. إذ ترى واشنطن في هذا المشروع مدخلاً لتوسيع حضورها الاقتصادي في العراق ومنافسة النفوذ الإيراني المتجذر في قطاعي الكهرباء والغاز.
تحديات وشكوك
ويضيف الخبير أن “الاتفاق الأمريكي سيظل مرتبطاً بعوامل جيوسياسية لا يمكن التنبؤ بها، مثل توتر العلاقات بين واشنطن وطهران أو أي تصعيد في الخليج، ما يجعل الإمدادات عرضة للتقلبات”. ولذلك، يؤكد أن العراق بحاجة إلى إدارة حكومية دقيقة للمخاطر، تقوم على تنويع الشركاء وتعزيز الإنتاج الوطني بدلاً من الارتهان للمصادر الخارجية.
فرصة لإعادة الهيكلة
في المقابل، يفتح المشروع الباب أمام فرصة نادرة لإعادة هيكلة قطاع الغاز في العراق، الذي يهدر سنوياً كميات تتجاوز 16 مليار متر مكعب من الغاز المصاحب تُحرق في الهواء، ما يجعل البلاد في مفارقة صارخة: تستورد الغاز وهي تملك واحداً من أكبر احتياطياته في الشرق الأوسط.
استغلال الغاز المحلي
يقول عسكر إن “تطوير الحقول الغازية المحلية مثل عكاز والمنصورية والسيبة يمكن أن يحوّل العراق من مستورد دائم إلى مصدرٍ محتمل خلال عقد واحد فقط، شريطة وجود إرادة سياسية واستقرار تشريعي”.
الاستنتاج
بهذا المعنى، يبدو أن صفقة الغاز الأمريكية ليست مجرد اتفاق اقتصادي، بل اختبار لقدرة العراق على التحرر من دائرة الاعتماد المزمن، ورسم ملامح سيادته الطاقوية في عالمٍ يتغير بسرعة.

