الصراع على خطوط التصدير في المنطقة
بغداد اليوم – بغداد
في مشهد إقليمي تتنازعه مسارات الطاقة والنفوذ، كشف الخبير في الشأن النفطي عباس الشطري عن تحركات تركية تهدف إلى منع إعادة تشغيل خط أنابيب كركوك – بانياس الرابط بين العراق وسوريا، محذراً من أن أنقرة تنظر إلى المشروع على أنه تهديد مباشر لمكانتها كممر رئيسي للنفط العراقي نحو الأسواق العالمية.
إستراتيجية تركية واضحة
ويقول الشطري إن هذه التحركات تأتي ضمن "إستراتيجية تركية واضحة تهدف إلى الحفاظ على الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية لخط كركوك – جيهان الذي يمر عبر الأراضي التركية ويعد اليوم المنفذ الرئيس لنفط شمال العراق".
الصراع على خطوط التصدير
ويرى مختصون أن الصراع على خطوط التصدير في المنطقة لم يعد اقتصادياً فحسب، بل تحوّل إلى أداة نفوذ سياسي تستخدمه الدول الكبرى والإقليمية لتثبيت مواقعها في خريطة الطاقة الجديدة بعد حرب أوكرانيا وعودة التنافس الروسي – الغربي.
خط كركوك – بانياس
يوضح الشطري أن "خط كركوك – بانياس، المتوقف منذ عام 2003 نتيجة الحرب والأوضاع الأمنية في سوريا، في حال إعادة تشغيله أو تطويره، سيمنح العراق خيارات تصديرية أوسع وأكثر تنوعاً، مما يقلل الاعتماد على تركيا كممر وحيد للنفط العراقي المنتج في كركوك"، مضيفاً أن "أنقرة تعتبر ذلك تهديداً مباشراً لدورها كمحور للطاقة في المنطقة".
تحرر تدريجي من الضغط التركي
وبحسب تقديرات اقتصادية، فإن إحياء الخط السوري سيعيد للعراق منفذاً بديلاً نحو البحر المتوسط، ما يعني تحرراً تدريجياً من الضغط التركي، الذي يعتمد بدوره على رسوم العبور والإيرادات الناتجة عن تصدير النفط العراقي عبر ميناء جيهان.
ورقة تفاوضية قوية
ويرى الشطري أن تركيا "تستفيد سياسياً من بقاء العراق معتمداً عليها كممر تصديري، وهو ما يمنحها ورقة تفاوضية قوية في ملفات النفط والمياه والحدود وحتى الأمن الداخلي".
رمز لنفوذ تركيا الاقتصادي والسياسي
تحليل المعادلة يظهر أن خط كركوك – جيهان لم يعد مجرد بنية تحتية، بل رمز لنفوذ تركيا الاقتصادي والسياسي في شمال العراق، حيث تسيطر أنقرة فعلياً على حركة الصادرات عبر الإقليم منذ سنوات.
تغيير موازين القوى
في المقابل، فإن إعادة فتح خط كركوك – بانياس ستغيّر موازين القوى، إذ سيمنح بغداد منفذاً جديداً يمر عبر سوريا نحو البحر المتوسط، بما يفتح أمامها فرصاً لربط النفط العراقي بخطوط نقل قادمة من إيران وربما مستقبلاً من الأردن.
موقع أكثر استقلالية
ويرى محللون أن هذه التحركات ستضع العراق في موقعٍ أكثر استقلالية ضمن شبكة الطاقة الإقليمية، وتمنحه قدرة أكبر على تنويع الحلفاء الاقتصاديين بين دمشق وطهران وموسكو، بدلاً من الارتهان الكامل للمسار التركي الذي يخضع لتقلبات السياسة والعلاقات مع الغرب.
رسوم العبور والإيرادات
يقول الشطري إن "تركيا تعتمد بشكل كبير على رسوم العبور والإيرادات المرتبطة بتدفق النفط عبر خط كركوك – جيهان"، مؤكداً أن "أي مشروع بديل مثل كركوك – بانياس سيحد من نفوذها ويضعف موقعها التفاوضي مع بغداد ومع القوى الدولية".
أدوات دبلوماسية وأمنية
ويضيف أن "أنقرة تحاول الآن استخدام أدوات دبلوماسية وأمنية لمنع أي تحرك جاد نحو تشغيل الخط السوري، مستفيدة من علاقاتها المعقدة مع المعارضة السورية ومن نفوذها العسكري في الشمال السوري".
خوف تركي من خسارة دورها
ويُعد هذا السلوك، وفق المراقبين، انعكاساً لخوف تركي من خسارة دورها كمركز إقليمي للطاقة، خاصة بعد تراجع تدفقات الغاز الروسي نحو أوروبا، وسعي أنقرة لتعويض خسائرها عبر تعزيز السيطرة على خطوط النفط القادمة من العراق.
تاريخ خط كركوك – بانياس
يعود خط كركوك – بانياس إلى خمسينيات القرن الماضي، عندما أُنشئ لربط حقول كركوك بميناء بانياس السوري على البحر المتوسط، بطاقة نقل أولية بلغت نحو 300 ألف برميل يوميا.
مشاريع تنويع نفطي
ويُعد هذا المشروع أحد أهم مسارات التنويع النفطي التي يناقشها العراق في إطار تقليل الاعتماد على تركيا، إلى جانب مشاريع أخرى مثل أنبوب البصرة – العقبة والربط مع ميناء الدقم في سلطنة عمان.
استراتيجية وطنية
يؤكد الشطري في ختام حديثه أن "العراق بحاجة إلى استراتيجية وطنية لتنويع منافذ التصدير وضمان عدم خضوع صادراته لأي ابتزاز سياسي"، مشدداً على أن "تنشيط مسار كركوك – بانياس يجب أن يكون جزءاً من رؤية أوسع لتعزيز الاستقلالية الاقتصادية وزيادة القدرة التنافسية للنفط العراقي في الأسواق العالمية".
هندسة النفوذ الإقليمي
ويُظهر تحليل الخبراء أن الصراع على خطوط التصدير أصبح جزءاً من هندسة النفوذ الإقليمي، حيث لا تقتصر المعادلة على الأرباح، بل على من يتحكم بالممرات التي تحدد من يُصدّر ومن ينتظر.
خريطة تصديرية أكثر توازناً
فكل خط نفط في المنطقة اليوم يحمل معنى سيادياً بقدر ما يحمل قيمة اقتصادية، والعراق أمام فرصة نادرة لكسر احتكار الجغرافيا التركية، وبناء خريطة تصديرية أكثر توازناً تحفظ له القرار والسيادة معاً.

