العراق بين مطرقة السلاح المقاوم وسندان الضغوط الأميركية
الملفات الحساسة بين بغداد وواشنطن
في الوقت الذي يسعى فيه العراق لتثبيت معادلة السيادة وتجنب الانزلاق إلى محاور الصراع، يعود ملف القدرات التسليحية للفصائل إلى الواجهة، كأحد أكثر الملفات حساسية بين بغداد وواشنطن. فالأخيرة تعتبر أن امتلاك تلك الفصائل لأسلحة متطورة يشكّل اختراقاً لـ"الخطوط الحمراء"، وتلوّح – في أكثر من مناسبة – بخيارات ميدانية إن لم تتمكن الحكومة العراقية من احتواء هذا الملف المعقّد.
صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة
يرى المحلل السياسي عدنان التميمي أن ما تمتلكه بعض الفصائل من منظومات تسليحية لا يُعرف حجمه بدقة، واصفاً إياه بأنه "صندوق غامض لا يمكن فتحه بالكامل". يقول في حديثه: "الحرب الأخيرة كشفت أن بعض الفصائل تملك صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة بعيدة المدى قادرة على الوصول إلى عمق الكيان المحتل. كانت مفاجأة من العيار الثقيل، ليس للمتابعين فقط، بل حتى لجهات استخباراتية ظنت أن السلاح العراقي لا يتجاوز نطاق الدفاع التقليدي".
الضغوط الأميركية وتكثيف الحذر
ويضيف التميمي أن واشنطن وتل أبيب ما زالتا عاجزتين عن رسم خريطة دقيقة لمواقع التخزين أو حجم الترسانة الفعلية، ما يدفعهما إلى إبقاء الحذر مرتفعاً وتكثيف الضغط على بغداد لإيجاد آلية حاسمة للسيطرة على هذا الملف.
حجم الترسانة الحقيقية
الخبير الأمني محمد العبيدي يرى أن "حجم الترسانة الحقيقية للفصائل لا يمكن تحديده بسهولة، لكن المؤشرات تؤكد وجود أسلحة نوعية، خصوصاً في مجال الطائرات المسيّرة الدقيقة". ويضيف: "هذه الطائرات لم تعد وسيلة حرب بدائية كما في السنوات الأولى، بل تحولت إلى أدوات ردع قادرة على تجاوز الدفاعات الجوية الحديثة، وإصابة أهدافها بدقة شبه كاملة".
تحذيرات من المواجهة
ويحذّر العبيدي من أن الضغوط الأميركية، مهما تصاعدت، "لن تدفع الفصائل إلى نزع سلاحها، لأن ذلك يعني خسارة ورقة التوازن التي تعتمد عليها في أي مواجهة محتملة داخل العراق أو في الإقليم".
التهديد المزدوج
الولايات المتحدة ترى أن التسليح المفرط للفصائل يشكّل تهديداً مزدوجاً: أمنياً لها ولحلفائها في المنطقة، وسياسياً للحكومة العراقية التي تحاول الحفاظ على توازن دقيق بين النفوذ الأميركي والإيراني.
العراق على مفترق طرق
يرى محللون أن العراق يقف اليوم على مفترق طرق بين قوتين متناقضتين: الأولى، تدفع باتجاه سيادة كاملة ونزع سلاح الفصائل لضمان وحدة القرار العسكري. والثانية، تعتبر أن السلاح المقاوم هو رصيد وطني لا يمكن التنازل عنه في ظل تصاعد الصراع في الإقليم.
توازن داخل حقل ألغام
هذا التناقض، كما يقول التميمي، "يجعل من العراق دولة تبحث عن توازن داخل حقل ألغام". فكل خطوة محسوبة، وكل تصريح يمكن أن يشعل أزمة دبلوماسية أو يفتح باب مواجهة ميدانية.
الغموض يزداد
مع استمرار الغموض حول خريطة التسليح، يزداد القلق الدولي من أن يتحوّل العراق إلى حلقة غير منضبطة في سلسلة النزاعات الشرق أوسطية. الفصائل تلوّح بسلاحها كرمز قوة، وواشنطن تعتبره تهديداً لأمنها القومي، فيما تقف بغداد وسط العاصفة، تحاول أن تكون دولة لا ساحة، وسيداً لا ممراً.

