الفساد المالي في العراق: تحديات وتصدعات
مقدمة
تتسع رقعة الجرائم المالية في العراق بأساليب متطورة وأشكال متجددة، وتتصاعد الأصوات من داخل المؤسسات القضائية والرقابية للتحذير من هشاشة منظومة الردع، وضعف العقوبات التي لم تعد تواكب حجم الخطر. يعتبر القاضي خالد صدام، رئيس محكمة جنايات مكافحة الفساد المركزية، أن العقوبات المفروضة حاليًا على الجرائم المالية لم تعد كافية لتحقيق الردع المطلوب.
الجرائم المالية: تحديات وتحولات
تجاوزت الجرائم المالية حدود الفعل الفردي لتتحول إلى شبكات مالية منظمة تمتلك أدواتها داخل أجهزة الدولة. يرى المختص علي الحبيب أن الجرائم المالية لم تعد مجرد تجاوزات فردية، بل تحولت في بعض الأحيان إلى شبكات منظمة تمتلك وسائل وأدوات تمكنها من الالتفاف على القانون.
التحذيرات والتحديات
دعا القاضي خالد صدام إلى تجديد التشريعات وتعزيز أدوات الرقابة على نحو يضمن حماية المال العام من الهدر والتلاعب، مؤكدًا أن الإصلاح لا يمكن أن يتحقق بالعقوبات القديمة ذات الطابع الزجري، بل بتشريعات حديثة تواكب التحولات الاقتصادية وتحد من الإفلات من العقاب.
الرقابة والردع
يضيف علي الحبيب أن الردع الحقيقي لا يتحقق فقط عبر الأحكام القضائية، بل أيضًا من خلال تعزيز منظومة النزاهة والرقابة الوقائية داخل المؤسسات الحكومية، وتفعيل أدوات المساءلة الإدارية والمالية قبل وقوع الجريمة.
المعركة ضد الفساد
أعلنت المرجعية الدينية العليا في النجف عن معركة أخرى وصفتها بأنها "أشد وأطول" من الحرب العسكرية نفسها: معركة الفساد. كان ذلك التحذير بمثابة بيان مبكر عن طبيعة التحدي الذي يواجه الدولة العراقية بعد السلاح.
الترسانة التشريعية
تقول دراسات في الشأن المالي والقانوني إن الترسانة التشريعية العراقية الخاصة بمكافحة الفساد لم تشهد تحديثًا جوهريًا منذ أكثر من عقد، على الرغم من التطور السريع في أساليب غسل الأموال والاختلاس والتحايل المصرفي.
الجمود التشريعي
يرى مختصون أن هذا الجمود التشريعي جعل من الفساد جريمة منخفضة المخاطر مرتفعة العائد، إذ غالبًا ما تكون العقوبات غير رادعة أو قابلة للتسوية الإدارية.
الإصلاح الحقيقي
يحذر باحثون في الشأن الاقتصادي من أن الفساد لم يعد مجرد خلل سلوكي، بل أصبح نظاماً موازياً يبتلع المال العام ويعيد إنتاج نفسه داخل المؤسسات الرسمية، ما يجعل الإصلاح الحقيقي مرهونًا بوجود إرادة سياسية حازمة تعيد تعريف وظيفة القانون.
المبادرة الأمريكية
بدأت الولايات المتحدة نفسها تفكر في نقل نموذج "التسويات مع الفاسدين" إلى العراق عبر مبعوثها الخاص مارك سافايا، في خطوة تعكس تحولاً في مقاربة واشنطن لملف الفساد في المنطقة.
الردع الذكي
الهدف المعلن من المبادرة هو استرداد الأموال المنهوبة وتسوية الملفات الكبرى خارج إطار المحاكمات الطويلة، ما يعكس تحوّلاً في فلسفة الردع الأميركية نحو ما تسميه مؤسساتها القانونية “الردع الذكي” بدلاً من “الردع الانتقامي”.
الخلاصة
يتفق القاضي خالد صدام والمختص علي الحبيب على أن العقوبات وحدها لم تعد كافية، وأن الردع الحقيقي يبدأ من بناء ثقافة مؤسساتية للنزاهة، وتفعيل منظومة المساءلة داخل الدولة قبل أن تتدخل السلطة القضائية. فحماية المال العام ليست مجرد مسؤولية قانونية، بل اختبار لإرادة الدولة في مواجهة شبكة المصالح التي صنعت من الفساد نظام حكم موازٍ.

