الحملات الانتخابية في العراق: الإنفاق المالي الفضفاض
تقديرات اقتصادية تشير إلى أن العراق يشهد واحدة من أكثر الحملات الانتخابية كلفة في تاريخه الحديث
بموجب قانون الانتخابات، يحدد سقف الإنفاق الدعائي بـ 250 ديناراً عن كل ناخب، إلا أن التقديرات الميدانية تشير إلى أن الإنفاق الفعلي يتراوح بين 3 إلى 4 تريليونات دينار على أقل تقدير، وفقاً لما ذكره الخبير الاقتصادي منار العبيدي.
المشهد المالي للحملات الانتخابية خارج السيطرة
يقول العبيدي إن “المشهد المالي للحملات الانتخابية خارج السيطرة، فالأموال تُصرف بلا شفافية واضحة ولا رقابة فعلية من الجهات المسؤولة”. ويُشير إلى أن الجهات المعنية، وهي المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، ومكتب مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في البنك المركزي، وهيئة النزاهة، وديوان الرقابة المالية، وهيئة الإعلام والاتصالات، تعمل دون تنسيق فعلي أو قاعدة بيانات موحدة تُمكّن من تتبع مصادر التمويل وأوجه الإنفاق.
سقف قانوني محدود
رغم تحديد السقف القانوني بـ 250 ديناراً للناخب الواحد، فإن الواقع كشف فجوة كبيرة بين النص والتطبيق. فالتقارير الميدانية تُظهر أن متوسط الإنفاق الدعائي للمرشح الواحد بلغ 1.4 مليار دينار، فيما وصلت كلفة بعض الحملات إلى 5 مليارات دينار.
أموال توازي ميزانيات قطاعات خدمية رئيسية
تُظهر المقارنات الاقتصادية أن المبالغ المنفقة على الدعاية الانتخابية يمكن أن تموّل مشاريع تنموية هائلة، من بينها 110 آلاف وحدة سكنية اقتصادية، أو 1,860 مدرسة ابتدائية قياسية، أو 92 مستشفى متوسط السعة، أو 8,400 كيلومتر من الطرق الحضرية.
استغلال النفوذ السياسي
يرى مختصون في الاقتصاد السياسي أن حجم الإنفاق في الحملات لم يعد يعبّر عن منافسة انتخابية، بل عن سباق نفوذ داخل مؤسسات الدولة. فالمليارات التي تُنفق على الدعاية تُستعاد لاحقاً عبر المناصب والعقود الحكومية، ما يجعل العملية الانتخابية بدايةً لدورة مالية مغلقة تبدأ بالتمويل وتنتهي بالفساد الإداري.
أضرار بيئية
أكد مرصد العراق الأخضر أن الحملات الانتخابية تسببت بأضرار واسعة في 15 محافظة، حيث تضررت نحو 250 ألف شجرة بسبب تثبيت اللافتات الانتخابية عليها باستخدام المسامير والمواد الإسمنتية.
مقارنة بسيطة
في أنظمة ديمقراطية مثل المملكة المتحدة وفرنسا، يُلزم القانون المرشحين بتقديم كشوف مالية دقيقة تخضع لتدقيق قضائي مستقل. في المقابل، لا يمتلك العراق حتى الآن نظام إفصاح مالي فعّال، ما جعله من أعلى الدول إنفاقاً وأضعفها رقابة في المنطقة.
الحاجة إلى تشريع يفرض الإفصاح المالي الكامل
تعكس ظاهرة الإنفاق الانتخابي المفرط صورة النظام السياسي العراقي بعد عقدين من التعددية الشكلية. فالقوانين موجودة، لكن تطبيقها ضعيف، والمؤسسات الرقابية كثيرة لكنها بلا تنسيق أو سلطة تنفيذية حقيقية. وبينما تتزايد الكلف الدعائية لتبلغ مستويات غير مسبوقة في تاريخ العراق الحديث، تبقى الحاجة ملحّة لتشريع يفرض الإفصاح المالي الكامل، ويمنح الجهات الرقابية أدوات إلزامية للمحاسبة.

