الأزمة التشريعية في العراق: تراجع البرلمان وضياع الثقة
مقدمة
تُظهر الإحصائية الرسمية الصادرة عن مجلس النواب العراقي مؤشرات تراجع تشريعي خطيرة منذ عام 2003. حيث لم يصوت 76 نائباً على أي قانون طوال دورة كاملة، وتحدث 48 نائباً مرة واحدة في العام، و26 نائباً لم يتجاوزوا نصف كلمة. هذه الأرقام غير المسبوقة في مؤسسة يفترض أنها الأعلى تشريعاً ورقابة في الدولة، تعكس بنية مشلولة وفاقدة للحيوية.
الأزمة السياسية
الباحث السياسي فاضل أبو رغيف وصف الإحصاءات بأنها "مفجعة"، داعياً إلى إعادة الرواتب والمخصصات إذا ثبتت صحتها. مؤكداً أن "ما يحدث ليس ضعفاً في الأداء، بل انهيار في مفهوم المسؤولية العامة داخل المؤسسة التشريعية". هذه الأزمة لا تتعلق بشكل النظام فقط، بل في وظائفه الجوهرية. فالبرلمان فقد تباعاً وظائفه الثلاث الأساسية: التشريع، والرقابة، والتمثيل الشعبي.
تراجع البرلمان
بعد أكثر من عقدين على التحول السياسي، لم يعد السؤال يدور حول نجاح النموذج البرلماني شكلياً، بل حول مدى صلاحيته أصلاً للبيئة العراقية المركبة. فهل استطاع البرلمان أن يمارس دوره كأعلى سلطة سيادية تشريعية ورقابية؟ أم أن بنيته ووظيفته والأشخاص الذين يشغلونه تآكلت جميعاً تحت ضغط المحاصصة والصفقات وضعف التمثيل الحقيقي؟
الأسباب
النظام البرلماني العراقي وُضع في ظروف استثنائية عام 2005، كمحاولة لمنع عودة الفردية في الحكم. غير أن هذا النظام، رغم وجاهة الفكرة، وُضع فوق أرضية سياسية غير مهيأة: أحزاب غير مستقرة، ثقافة تداول ضعيفة، وولاءات طائفية ومناطقية تفوق الانتماء الوطني. النتيجة كانت نظاماً توافقياً مغلقاً يتقاسم السلطة وفق المعادلات الطائفية لا البرامج الانتخابية.
الحلول
الدعوات تتزايد لإصلاح النظام السياسي برمته، أو تعديله نحو نموذج مختلط أو رئاسي يحد من الانسداد السياسي المتكرر. لكن مخاوف كثيرة تحيط بهذه الدعوات، خصوصاً في ظل هشاشة مؤسسات الدولة وضعف ثقافة المحاسبة. البعض يرى أن أي إصلاح حقيقي يبدأ من داخل البرلمان نفسه، عبر تعديل قانون الانتخابات، وإصلاح النظام الحزبي، وتفعيل أدوات الرقابة، ورفع الحصانات غير المبررة، وتعزيز الشفافية في الأداء النيابي.
الخلاصة
حتى اللحظة، البرلمان فقد وظيفته كسلطة تشريعية ورقابية، وتحول إلى واجهة سياسية تُدار من الخارج، بينما يعيش الداخل حالة شلل مزمن. فالمؤسسة التي يُفترض أن تضع القوانين، باتت هي نفسها بحاجة إلى قانون يعيدها إلى الحياة.

