جاءت احتفالية وطن السلام، بسيطة ومعبرة عن اللحظة، بالرغم من أنها احتفال بمرور 52 عاما على انتصار أكتوبر، لكنها كانت احتفالا بانتصارات متنوعة تحققت خلال شهر أكتوبر، أو بالأصح ظهرت نتائج انتصاراتها خلال شهر أكتوبر، سواء توقيع اتفاق انتهاء الحرب بعد أصعب عامين وحرب إبادة على غزة، ثم قمة شرم الشيخ التى جمعت أكثر من 30 رئيسا ورئيس وزراء، شهدوا على خطة ترامب للسلام، وفى الوقت نفسه انتهى أى حديث عن التهجير، وهو انتصار من نوع خاص يسجل لمصر وللرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى تصدى بشكل حاسم وحده لكل ما ظهر من مخططات أو أفكار عن التهجير، والتصدى تم بالقول والفعل وأيضا بإقناع العالم كله بخطر التهجير.
قمة شرم الشيخ حولت اتفاق وقف إطلاق النار، بعد إبادة استمرت عامين، إلى مؤتمر للسلام يمكن البناء عليه، وسعت مصر إلى تحويل التحديات إلى فرص، وتوظيف الزخم الدولى وتعاطف الشعوب الأوروبية ودعم أمريكا لمؤتمر إعادة الإعمار والتعافى الذى تستضيفه وتنظمه مصر خلال شهر نوفمبر المقبل، وتطبيق الخطة المصرية، التى أصبحت عربية إسلامية تحظى بتأييد أغلب دول العالم، من هنا فقد كانت حروب مصر طوال عامين داخل الحرب، من أجل رفض التهجير، وفى النهاية بدت الصورة انتصارا للإرادة والصبر والسلام القائم على القوة والردع، وانتصارا للإرادة ممثلة فى شعب غزة المسالم الذى صمد فى وجه الإبادة والحصار والتجويع.
من هنا تأتى احتفالية وطن السلام، لتؤكد كيف واجهت مصر كل هذه التحولات التى شهدها الإقليم طوال عامين، وهى تحولات عاصفة أطاحت بقوى تقليدية مثل حزب الله، بل وحماس وفصائل المقاومة التى تخرج ليس كما كانت قبل عامين حتى ولو احتفظت بالمظاهر، الحرب أيضا أخرجت إيران من الصورة، وأطاحت بحكم بشار الأسد، وبدت طوال الوقت فخا منصوبا، أسقط كل من أصابه الغرور وعجز عن قراءة الأوراق.
فقط كانت مصر الدولة الكبرى تواجه المناورات وتتخطى العقبات، وتسعى لمنع اتساع الصراع، وأيضا تواجه حرب أكاذيب شنها الاحتلال، وحلفاؤه من تنظيم الإخوان، الذى ظهر تحالفه مع الاحتلال بشكل واضح، تجسد فى مظاهرات تركت الإبادة وسعت لابتزاز مصر من أجل فتح المعبر وتنفيذ أولى خطوات التهجير، لكن مصر واجهت كل هذا بخطط مضادة، وأفسدت المناورات وبذلت جهودها لدعم الشعب الفلسطينى، من خلال إقناع رؤساء أوروبا بعدالة القضية وخطر التهجير، وانتهى الأمر بوقف الحرب والاعتراف بالدولة الفلسطينية، من 157 دولة.
وخلال العامين كانت مصر قادرة على ردع أى محاولات للتلاعب، والتلويح بقوة ضخمة، تمثل ردعا من أقوى جيوش المنطقة، مع التأكيد على ردع رشيد بقوة جيش يحمى لا يهدد، لكنه قادر على تحقيق توازن قوة واضح وغير قابل للقسمة.
فى أكتوبر تم توقيع الاتفاق، وفيه أيضا عقدت القمة، وفاز مرشح مصر خالد العنانى بمنصب مدير عام اليونسكو، وحصلت مصر على مواقع دولية وأممية مهمة، وفاعلة، ومثلت القمة المصرية الأوروبية فى بروكسل، تتويجا لجهود مصرية مستمرة على مدى سنوات، وسياسة خارجية مصرية، أثبتت كفاءتها فى قراءة التحولات العالمية والإقليمية، جعلت أوروبا ترى أن مصر هى الحليف الأنسب والقوى للاتحاد الأوروبى، والقمة نتيجة مباشرة للسياسة المصرية القائمة على التوازن، والشراكات، والتعاون، والتدخل لدعم المسارات السياسية وتخفيض التوترات والصراعات.
وخلال أيام فى أول نوفمبر تقدم مصر هديتها للعالم، بافتتاح المتحف المصرى الكبير، أكبر متحف مفتوح فى العالم، والذى يحكى قصة حضارة مصرية تتواصل على مر العصور وهو رسالة سلام ووعى للعالم.
ولهذا تأتى احتفالية وطن السلام، لتؤكد على الصورة التى تدعم رؤية مصر للسلام القائم على القوة والتوازن والردع، ومشهد الرئيس السيسى يحتضن الطفلة الفلسطينية ريتاج، التى تشعر بالأمن مثل كل فلسطينى يرى مصر سندا وحضنا، وفى كلمته أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى أن النصر لا يتحقق فقط بقوة الجيش بل بإرادة الشعب، وأن الشعب المصرى كان وسيظل صاحب الدور الأكبر فى كل انتصار حققته الدولة، وقال إن تحمل المسؤولية يعنى اتخاذ قرارات صعبة، وأن القرارات الكبرى تتطلب حسابات دقيقة ومسؤولية كبيرة، خاصة وقد واجهت مصر خلال العامين الماضيين تحديات كبيرة مرتبطة بالأوضاع فى قطاع غزة، وظل الموقف المصرى نابعا من مسؤولية وطنية وإنسانية تجاه الأشقاء الفلسطينيين.
هنا كانت مصر تحتفل وتعلن أنها وطن للسلام، القائم على العدالة والحق والقوة الرشيدة الرادعة، والقادرة على صنع التوازن، وهو ما جعل مصر نموذجا للثقة الإقليمية والدولية، لسعيها لإنهاء الصراعات ودعم المسارات السياسية، فى الغرب والشرق وفى أفريقيا ودول العالم، وهو ما أدى لتغيير توجهات الولايات المتحدة والعالم باتجاه عدالة القضية، ولهذا تظل مصر وطنا للسلام.

