تعود مطالب الإصلاح الهيكلي والمؤسسي في المؤسسات الرسمية الفلسطينية إلى واجهة الأجندة السياسية، كأولوية لا تحتمل التأجيل. منذ قيام السلطة الفلسطينية في العام 1993 ظلت هذه القضية تراوح مكانها، ووظّفها طرفا الانقسام لترسيخ نفوذهم في النظام الرسمي عبر خلق شبكة هائلة من المحسوبيات والمستفيدين من هذه الحالة. أفرز هذا النهج قاعدة أهل الثقة على حساب أهل الكفاءة التي راكمت رصيد الفساد في مختلف المؤسسات. حتى الجهات المنوط بها مراقبة الأداء المالي والإداري جرى تسيسها وتحولت إلى أداة طيّعة لخدمة الأجندة السياسية لكل طرف ووسيلة للتخلص من الخصوم، ما أفقد هذه المؤسسات مصداقيتها كجهات قادرة على محاسبة الفاسدين، وقوّض مبدأ الشفافية والمحاسبة.
إن حق الانتخاب هو استحقاق قانوني ودستوري لكل مواطن فلسطيني، ولا يجوز أن يساوم المواطن الفلسطيني على هذا الحق، ولا يجب أن تعتبره السلطة التنفيذية منة أو هبة منها، بل هو واجب على المؤسسة الرسمية الفلسطينية التي يتوجب عليها التمسك بهذا الحق لتطهير شرعيتها من الشوائب حتى لا تصبح هذه القضية بمثابة قميص عثمان الذي تتاجر به إسرائيل والمجتمع الدولي كلما عادت الاستحقاقات الوطنية الفلسطينية إلى الواجهة.
من الضروري أن يتجاوز الإصلاح نطاق المؤسسة الرسمية ليصل إلى الأحزاب الفلسطينية، التي ارتكبت جميعها خطأ المراهنة على اليومي والمؤقت على حساب الاستراتيجي. استثمرت الأحزاب والفصائل الفلسطينية في الأجيال الأكبر سنًا وتخلت عن قطاع الشباب الذي يمثل وقود العمل الحزبي، وهي نتيجة متوقعة نظراً لغياب خطط التعبئة والتجنيد التي بمقدورها استقطاب الأصوات الشابة. بالإضافة إلى نمطية الخطاب الحزبي ورداءته، والتي أصبحت بالنسبة لجيل زد وألفا بيانات من خارج الزمن ولا تبشر بمستقبل ستعيشه هذه الأجيال.
إن إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، بهيئاتها ومؤسساتها، تتطلب ثورة إصلاح جذرية تبدأ من داخل الأحزاب نفسها، بحيث يعاد الاعتبار فوراً للجانها المركزية، ومكاتبها السياسية، ومؤسساتها الداخلية، ويفتح فضاء العمل الحزبي العام أمام جميع الأصوات المنتمية – المعارضة قبل المؤيدة – دون إقصاء. بهذا التجديد الداخلي، تستعيد الأحزاب حضورها الفاعل وتأثيرها المباشر في المجتمع، لأن حضورها مستمداً منه، وتزداد بذلك قدرتها على التأثير في المشهد السياسي الفلسطيني.
لا يجب أن يكون سلوك منظمة التحرير الفلسطينية نحو الإصلاح استجابة للمطالب الإسرائيلية والدولية. بل يجب أن يكون نابعاً من ايمان داخلي راسخ بأن الحاجة إلى يأتي خدمة للمواطن الفلسطيني أولاً وأخيراً، وتمهيداً لتبني استراتيجية وطنية جديدة تراعي المصالح العليا للشعب الفلسطيني وتمكينه من دولة فلسطينية نواتها مؤسسات نزيهة وشفافة.
لا يجب أن تربك دعوات نتنياهو العلنية بالإصلاح منظمة التحرير. حتى لو لم تكن منظمة التحرير ومؤسساتها في أفضل حالاتها اليوم، يجب أن يكون ردها على دعواته المتكررة المبطنة بالسخرية والتهكم حازماً وقوياً، فالمنتقد هو نفسه رئيس وزراء الإسرائيلي الأكثر مثولاً من بين كل رؤساء وزراء إسرائيل أمام المحاكم بتهم الفساد، والرشوة، وخيانة الأمانة، وإساءة استغلال المال العام.

