نيكولو باغانيني: عبقري الكمان والأسطورة التي أحاطت به
نشاته وبداية موهبته
وُلد باغانيني في مدينة جنوة الإيطالية في 27 أكتوبر/تشرين الثاني عام 1782، وقد تعلّم العزف مبكرا على الماندولين والكمان وأظهر قدرة استثنائية لدرجة أنه بدأ التأليف والظهور العلني في سنوات مبكرة من طفولته. وفي الـ13 من عمره، أُرسل باغانيني للدراسة مع عازف الكمان الشهير آنذاك أليساندرورولا. لكن سرعان ما لاحظ رولا موهبة باغانيني، وقرر أنه لا يوجد شيء آخر يمكنه تعليمه إياه. لذلك، سلمه إلى معلمه العريق، فرديناندو بير الذي أحاله لاحقا هو الآخر إلى معلمه، غاسبارو غيريتي.
سلسلة من النجاحات المدوّية
بلغ نيكولو باغانيني قمة مجده في عشرينيات وثلاثينيات القرن التاسع عشر، حين أصبح أشهر عازف كمان في أوروبا دون منازع. كانت حفلاته في باريس ولندن وفيينا حدثا فنيا استثنائيا يجذب الجماهير التي تحتشد قبل ساعات لسماع عزفه الساحر لمقطوعاته التي لا تزال حتى اليوم تحديا حقيقيا لأمهر العازفين. في تلك الفترة، لفتت موهبته أنظار النخب السياسية والثقافية، فاستدعته إليزا باكايوكو، شقيقة نابليون بونابرت وحاكمة لوكا وتوسكانا، ليكون عازف الكمان الرسمي في بلاطها عام 1805.
اسطورة الرجل الذي باع روحه للشيطان
كما جاء النجاح سريعا، تبعته الشائعات والإخفاقات الشخصية في حياة نيكولو باغانيني الغامضة. فقد تحوّل من عبقري الكمان إلى شخصية مثيرة للجدل، عُرف عنه إدمان القمار والكحول وكثرة علاقاته بالنساء. بل وصل الخيال الشعبي إلى نسج أسطورة تزعم أنه قتل امرأة واستخدم أمعاءها كأوتار لكمانه، وأن روحها سُجنت في آلته، حتى قيل إن صرخات النساء تُسمع من كمانه أثناء عزفه على المسرح من شدة النغمات وحدتها.
الحقيقة وراء الأساطير والشائعات
يقول المؤرخون إن ملامح نيكولو باغانيني وبنيته الجسدية أسهمت في ترسيخ صورته الغامضة، إذ كان طويل القامة، نحيل الجسد، يتمتع بأطراف دقيقة ومرنة على نحو غير مألوف، يُعتقد أنها نتيجة إصابته بمتلازمة مارفان، وهي اضطراب وراثي يؤثر على النسيج الضام. هذه السمات الجسدية، إلى جانب طاقته غير العادية على المسرح، جعلت الجمهور يشبّهه برجال السحر والشعوذة في الأدبيات الأوروبية آنذاك. توفي باغانيني في 27 مايو/أيار 1840 في مدينة نيس الفرنسية بعد صراع طويل مع مرض في الحنجرة والسل أنهكا جسده ومنعاه من العزف في سنواته الأخيرة. وحتى في وفاته، استمر الغموض؛ إذ رفض الكهنة إقامة الطقوس الكنسية له بسبب سمعته “الشيطانية”، فدُفن مؤقتا لسنوات قبل أن يُنقل رفاته لاحقا إلى بارما بأمر من البابا. برحيله، أُسدل الستار على حياة فنان جمع بين العبقرية والغرابة، لكن موسيقاه بقيت نابضة، تُلهِم عازفي الكمان والموسيقيين حول العالم حتى اليوم.

