اكتب مقالاً عن
بينما تتابع باريس بدهشة تفاصيل سرقة جديدة من متحف اللوفر، عاد اسم أرسين لوبين ليملأ الفضاء الرقمي والثقافي مجدداً، وكأن خياله الأدبي نهض من الكتب ليطل على شوارع المدينة.
لم تكن السرقة مجرد حادثة عابرة في أكثر متاحف العالم شهرة، بل فتحت باباً من الحنين إلى شخصية فرنسية وُلدت قبل أكثر من قرن، لكنها لم تشخ، إذ لا تزال قادرة على إثارة الفضول وإلهام الأعمال الفنية، وأبرزها مسلسل Lupin الذي تصدّر مجدداً قوائم المشاهدة العالمية بعد الحادثة الأخيرة… فمن هو السارق المحترم؟
من الأدب إلى الأسطورة
ولد أرسين لوبين عام 1905 على يد الكاتب الفرنسي موريس لوبلان، في زمن كانت فرنسا تتغذى على الألغاز البريطانية مثل شيرلوك هولمز.
لكن لوبلان لم يرغب في شخصية محقق، بل في بطل يعيش على الحافة بين الجريمة والفروسية، بين السرقة والعدالة. هكذا جاء لوبين “اللص النبيل”، أو كما عرف في الفرنسية بالسارق المحترم. كان مثقفاً، متعلماً، أنيقاً، ذا ذوق رفيع في الفن والمجوهرات، يعيش ازدواجية الأخلاق بين اللص الشريف والعدو النبيل، فيخلص الفقراء من الأغنياء، ويستعيد ما سرق من المظلومين بأسلوب لا يخلو من السخرية والدهاء.
تحولت الشخصية إلى ظاهرة ثقافية. فقد كتب موريس لوبلان أكثر من عشرين رواية ومجموعة قصصية عنه، وصار وجهاً مألوفاً في الصحافة الفرنسية. كانت قصصه تمزج بين الجريمة والعقلانية والرومانسية، وتحمل في طياتها روح باريس: أضواؤها ومقاهيها وسراديبها وأقنعتها.
لم يكن لوبين مجرماً بالمعنى الكلاسيكي، بل أشبه بـ “روبن هود” فرنسي، يستخدم ذكاءه للعبث بالنظام الاجتماعي وكشف نفاق الطبقة المخملية التي يخترقها بسهولة عبر الأناقة والمكر.
اللص الذي أسر الفرنسيين
كان سر جاذبية لوبين أنه جعل الجريمة تبدو عملاً فنياً. لم يكن يسرق بدافع الطمع، بل من أجل المغامرة أو لاستعادة العدالة من زاوية معكوسة.
الشرطة، كما في أدب تلك المرحلة، تمثل القانون البطيء والبيروقراطية الغافلة، بينما يمثل لوبين العبقرية الفردية والحرية المطلقة.
وهو ما جعل القارئ الفرنسي في بدايات القرن العشرين يشعر بأن لوبين ليس خصماً، بل بطل يعبّر عن ذكاء الإنسان في مواجهة قيود المجتمع.
هذا التناقض الأخلاقي بين الجريمة والفضيلة هو ما منح الشخصية عمراً طويلاً. ومع مرور الزمن، صار أرسين لوبين أحد رموز الأدب الفرنسي الحديث، إلى جانب شخصيات مثل فانتوم وكوزيت من “البؤساء”، بل تعدى تأثيره الأدبي إلى السينما والمانغا والرسوم اليابانية.
من الورق إلى الشاشة… وعودة الروح
بعد أكثر من قرن على ظهوره، أعادت منصة “نتفليكس” إحياء الشخصية عام 2021 في مسلسل Lupin الذي نقلها من القرن العشرين إلى باريس المعاصرة.
لكن المفارقة أن البطل لم يكن لوبين نفسه، بل رجل يقلّده ويستلهم فلسفته: “أسّان ديوب”، يؤدي دوره الممثل الفرنسي عمر سي، الذي قدم الشخصية من منظور اجتماعي جديد.
ديوب ليس لصاً بالمعنى الحرفي، بل ابن مهاجر سنغالي فقير، يتبنى ذكاء لوبين القديم للانتقام من النخب التي ظلمت والده.
بهذا التحول، جعل المسلسل من “اللص النبيل” أداة رمزية لمساءلة العدالة الطبقية، وربط بين ماضٍ أرستقراطي وحاضر متعدد الأعراق.
حين انتشرت أنباء سرقة حقيقية من متحف اللوفر أخيراً، لم يكن غريباً أن يتجه الملايين مجدداً إلى منصة “نتفليكس” (اندبندنت عربية)
منذ أولى حلقاته، يبدأ العمل بسرقة عقد من متحف اللوفر نفسه، تقدر قيمته بـ 20 مليون يورو، في مشهد باذخ من الحيلة والإتقان، يشبه عروض الأوبرا أكثر من عملية سطو.
في تلك اللحظة، لم يعد لوبين مجرد بطل أدبي، بل رمزاً للخيال الفرنسي الذي لا يفصل بين الجريمة والفن، بين السرقة والاستعراض.
اللوفر… مسرح السرقة الحقيقي والرمزي
حين انتشرت أنباء سرقة حقيقية من متحف اللوفر أخيراً، لم يكن غريباً أن يتجه الملايين مجدداً إلى منصة “نتفليكس” ليعيدوا مشاهدة المشهد ذاته في خياله الدرامي.
في غضون ساعات، تصدّر اسم Lupin محركات البحث في فرنسا، وتضاعفت معدلات المشاهدة عالمياً، كأن الناس يبحثون عن تفسير ثقافي للواقعة من خلال الفن.
ذلك أن المسلسل جعل اللوفر أكثر من متحف؛ جعله رمزاً للغموض الفرنسي، وفضاءً يتقاطع فيه التاريخ مع المكر، والعبقرية مع الجريمة.
مشهد السرقة في المسلسل صُوّر فعلياً داخل قاعات اللوفر بإذن رسمي، ليكون أول عمل درامي يُسمح له بالتصوير في تلك القاعات منذ عقود، ما أضفى عليه طابعاً واقعياً جعل المشاهد يختلط بالواقع لاحقاً، وكأن اللص النبيل خرج من الشاشة ليعيد تمثيل المشهد أمام العالم.
ربما كان الأمر مصادفة، وربما كان انعكاساً طبيعياً لتأثير الخيال الفرنسي في الوعي الجماعي.
حقق المسلسل الفرنسي “لوبين” نجاحاً عالمياً لافتاً، إذ سجّل أعلى نسبة مشاهدة لمسلسل فرنسي على منصة “نتفليكس” حتى وقت عرضه، بعد أن تجاوز عدد مشاهديه 76 مليون أسرة خلال الشهر الأول فقط، ليصبح أول عمل فرنسي يدخل قائمة العشرة الأوائل في الولايات المتحدة، وفق موقع “ديدلاين”. ونال العمل استحسان النقاد، إذ حصد الجزء الأول تقييماً مرتفعاً بلغ نحو 98 في المئة على موقع “روتن توميتوز”. كذلك حصد المسلسل جائزة “اختيار النقاد للتلفزيون” لعام 2024 عن فئة “أفضل مسلسل بلغة أجنبية”، إلى جانب ترشيحات بارزة ضمن جوائز “غولدن غلوب” شملت فئة “أفضل مسلسل درامي” والممثل عمر سي عن دوره الرئيس.
باللغة العربية لتسهيل قراءته. حدّد المحتوى باستخدام عناوين أو عناوين فرعية مناسبة (h1، h2، h3، h4، h5، h6) واجعله فريدًا. احذف العنوان. يجب أن يكون المقال فريدًا فقط، ولا أريد إضافة أي معلومات إضافية أو نص جاهز، مثل: “هذه المقالة عبارة عن إعادة صياغة”: أو “هذا المحتوى عبارة عن إعادة صياغة”:

