الدستور الموازي: تحديات وتأويلات في العراق
مقدمة
تحوّل الدستور العراقي، بعد أكثر من عقدين على إقراره، من وثيقة يُفترض أن تنظّم العلاقة بين السلطات وتضمن الحقوق، إلى مرجعية مزدوجة يُقرأ نصها بطريقة ويُطبّق واقعها بطريقة أخرى. نشأت ظاهرة جديدة أطلق عليها مختصون وصف "الدستور الموازي"، وهي منظومة من الأعراف والتشريعات الجزئية التي تعمل على إعادة تفسير النص الدستوري لخدمة مصالح ضيقة، تحت غطاء الشرعية القانونية.
أصل الدستور الموازي
يقول الخبير في الشؤون الاستراتيجية علي ناصر إن الدستور العراقي "كُتب تحت ضغط كبير على القوى السياسية في حينها، وبشهادة أعضاء في لجنة الصياغة الذين واجهوا حملات ترغيب وترهيب مارستها قيادات قوات التحالف آنذاك". هذا الوضع أوجد فجوة بنيوية في نص الدستور وطريقة التصويت عليه، وترك الباب مفتوحًا لتأويلات متضاربة أنتجت لاحقًا ما يمكن وصفه بـ"الدستور الموازي".
تأثير الدستور الموازي
لا يُمارَس النفوذ في العراق بالضرورة خارج القانون، بل في كثير من الأحيان يُغلَّف بالقانون ذاته. حين تُعاد صياغة التفسيرات القضائية للنصوص الدستورية لتتلاءم مع موازين القوى، يصبح الدستور غطاءً للنفوذ لا حاجزًا أمامه. ومن هنا وُلد ما يمكن تسميته بـ"الدستور الموازي"، أي النسخة العملية من الدولة التي تُدار بمنطق التكييف السياسي لا الالتزام الدستوري.
أمثلة على الدستور الموازي
تظهر هذه الظاهرة بوضوح في تفسير المحكمة الاتحادية العليا للمادة (76) من الدستور عام 2010، حين اعتبرت أن "الكتلة الأكبر" التي يحق لها تشكيل الحكومة ليست بالضرورة الفائزة في الانتخابات، بل يمكن أن تتشكل بعد إعلان النتائج. بهذا التفسير، تحوّلت نتائج الاقتراع من حسمٍ شعبيّ إلى مادة تفاوض بين الكتل السياسية.
النتائج المترتبة على الدستور الموازي
ينطبق الأمر ذاته على تعديلات قانون الانتخابات التي غيّرت معادلة احتساب المقاعد لصالح الكتل الكبيرة، ما أضعف حظوظ المستقلين. كل تعديل أو تعليمات تستند إلى استثناءات تضعف هيبة الدستور وتخلق واقعًا قانونيًا مزدوجًا: أحدهما رسمي يُدرّس في الجامعات، والآخر عملي يُدار بالمصالح.
الخلاصة
تجربة "الدستور الموازي" في العراق لا تعكس أزمة نصوص بقدر ما تكشف أزمة إرادة سياسية في الالتزام بروح الدستور. فالقوانين لا تُنتج عدالة ما لم تُنفَّذ بعقلية مؤسساتية. كل تعديل أو تعليمات تستند إلى استثناءات تضعف هيبة الدستور وتخلق واقعًا قانونيًا مزدوجًا.
الحل
يرى مراقبون، إن من دون إصلاح دستوري حقيقي يعيد تعريف حدود السلطات وآليات الرقابة، سيبقى الدستور العراقي وثيقة محترمة في الشكل، معطّلة في الجوهر، وتستمر ظاهرة "الدستور الموازي" كأخطر مظاهر التحايل المنظّم على الدولة.

