تعيين مارك سافايا مبعوثًا خاصًا للولايات المتحدة في بغداد: تحول في مقاربة واشنطن للعراق
خلفية التعيين
أقدمت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على خطوة غير تقليدية في سياستها تجاه العراق، بتعيين مارك سافايا مبعوثًا خاصًا للولايات المتحدة في بغداد، بدلاً من سفيرٍ تقليدي. هذا القرار يعكس تحوّلاً نوعيًا في مقاربة واشنطن للعراق، حيث لم يعد التمثيل الدبلوماسي الكلاسيكي قادراً على مجاراة تعقيدات المشهد العراقي الذي يتقاطع فيه الأمن بالاقتصاد والسياسة بالنفوذ الإقليمي.
رؤية الباحثين
الباحث في الشأن السياسي والأمني ياسين عزيز يرى أن إدارة ترامب "وصلت إلى قناعة بأن الوضع في العراق ليس على ما يرام، وأن الاستقرار لم يبلغ مستوى الطموح، وأن احتمال الإخلال به قائم في أية لحظة سواء لأسباب داخلية أو خارجية". ويضيف أن "اختيار مبعوث خاص يعني منح حرية أكبر في اتخاذ القرارات تجاه العراق، حتى وإن تجاوزت الأطر الدبلوماسية المعتادة".
تأثير التعيين على العلاقات العراقية الأمريكية
مراقبون في الشأن الدبلوماسي يرون أن هذا النمط الجديد من التعيينات يعكس رغبة الإدارة الأمريكية في تجاوز البيروقراطية وتبنّي أسلوب أكثر تحكماً ومرونة في إدارة الملفات الحساسة مثل العراق. اختيار مبعوثٍ خاص، لا سفير، يشير إلى أن واشنطن ترى العراق ملفاً يتجاوز حدود التمثيل الدبلوماسي إلى إدارةٍ تنفيذية مباشرة.
دور المبعوث الجديد
باختيار مارك سافايا، وهو رجل أعمال من أصول عراقية أمريكية، يُظهر أن واشنطن تتعامل مع العراق بعقلية “إدارة الصفقة” لا “إدارة الدولة”. يُراد للمبعوث أن يكون مديرًا لملفٍ اقتصادي-أمني، لا ممثلاً دبلوماسياً محايدًا. هذا يعكس تصاعد فكرة “الدبلوماسية التنفيذية” في السياسة الأمريكية، وهي منهج يقوم على تركيز القرار في يد الرئيس وفريقه الضيق بدلاً من مؤسسات الدولة التقليدية.
تأثير على العلاقات مع إقليم كردستان
في خضم هذا التحول، برزت زاوية جديدة تتعلق بإقليم كردستان. الباحث في الشأن السياسي لقمان حسين يرى أن “الكرد سبق أن عززوا حضورهم في الولايات المتحدة ولديهم علاقات واسعة هناك، بل إن بعض التقاربات بين الأحزاب الكردية جرت بدعم وضغط أمريكي مباشر”. أي تغيير في السياسة الأمريكية قد يعزز من الحضور الكردي الذي تراجع في السنوات الأخيرة.
ردود الفعل العراقية
انقسمت ردود الفعل العراقية إلى ثلاثة مسارات متباينة. الإطار التنسيقي رأى في التعيين خطوةً “طبيعية” لكنه شدد على أن أي مبعوث يجب أن يُعتمد عبر القنوات الرسمية لبغداد. القوى المعارضة للنفوذ الإيراني رأت في هذه الخطوة فرصةً لتقليص تمدّد طهران وتعزيز سيادة الدولة العراقية.
التحديات المستقبلية
بغداد تقف أمام معادلةٍ دقيقة: الحفاظ على السيادة دون خسارة التواصل مع الحليف الدولي الأقوى. مختصون في العلاقات الدولية يؤكدون أن هذا التحدي سيكون اختباراً لقدرة بغداد على بناء شراكة متكافئة لا تُدار من الخارج.
الخلاصة
تعيين مارك سافايا مبعوثًا خاصًا للولايات المتحدة في بغداد يعكس تحولاً في مقاربة واشنطن للعراق، حيث تتحول العلاقات من صيغتها السياسية إلى صفقات اقتصادية مغطاة بعباءة سياسية. المبعوث الجديد ليس مجرد حامل حقيبة، بل واجهة لتحويل العلاقة إلى إدارة مباشرة من البيت الأبيض، تختزل المؤسسات وتمنح واشنطن نفاذاً فوريًا إلى القرار العراقي.

