اغتيال صفاء المشهداني: اختبارٌ جديدٌ لقدرة الدولة على محاسبة القتلة
يُعد اغتيال عضو مجلس محافظة بغداد صفاء المشهداني في تشرين الأول 2025 من أخطر الجرائم السياسية في المرحلة الراهنة، لأنه استهدف شخصيةً منتخبة تمثل السلطة المحلية داخل الدولة، وجاء في توقيتٍ حساسٍ مع اقتراب الانتخابات البرلمانية. انفجرت عبوةٌ لاصقةٌ بسيارته داخل قضاء الطارمية شمال العاصمة، لتعيد إلى الواجهة سؤالًا مؤجلًا منذ سنوات: لماذا تفشل الدولة في حماية ممثليها ومحاسبة القتلة؟
الاهتمام الرسمي وتشكيل لجنة التحقيق
أكد النائب السابق عبد الخالق العزاوي أن "الاهتمام الرسمي اتخذ طابعًا موسعًا من خلال تشكيل لجنة مركزية للتحقيق، ومن المتوقع إعلان نتائج أولية خلال أيام"، موضحًا أن "الجريمة سياسية بامتياز وتحظى بمتابعة من أعلى المستويات الحكومية". وأضاف أن "ثقة الرأي العام بقدرة الأجهزة الأمنية والاستخبارية على الوصول إلى الجناة ستكون على المحكّ هذه المرة".
استهداف ممثلي الدولة: مرحلة جديدة من العنف
يرى مختصون في الشأن الأمني أن هذه الجريمة تفتح مرحلة جديدة من استهداف ممثلي الدولة، إذ لم تعد الاغتيالات مقتصرة على الناشطين أو الصحفيين، بل طالت المسؤولين المحليين ضمن مؤسساتٍ رسمية. ويؤكد باحثون في الشأن السياسي أن "اغتيال المشهداني يُعيد ظاهرة الاغتيال السياسي إلى المربّع الأول، لأن ضحية اليوم ليست معارضًا أو ناشطًا، بل جزء من بنية الدولة نفسها".
الإفلات من العقاب: سلوكٌ متكررٌ في العراق
تشير قراءات أكاديمية إلى أن استمرار الإفلات من العقاب جعل الاغتيال يتحوّل من وسيلةٍ للتصفية إلى أداةٍ لتقويض الثقة بالمؤسسات المنتخبة. ويحذر ضباط وخبراء سابقون من "تصاعد احتمالية استهداف المرشحين في المرحلة المقبلة".
التسلسل التاريخي للاغتيالات السياسية
تُظهر مراجعة مسار الاغتيالات السياسية منذ عام 2003 أن الظاهرة ليست طارئة بل متجذّرة في بنية النظام السياسي الجديد. فمنذ سقوط النظام السابق، برز العنف كوسيلةٍ لإعادة توزيع القوة داخل المجتمع، وغابت الإجراءات القضائية الفاعلة التي تضمن محاسبة الجناة.
مرحلة الفوضى الأمنية (2004–2010)
شهد العراق في هذه المرحلة موجاتٍ متتالية من الاغتيالات شملت سياسيين، قضاة، صحفيين، وضباطًا في وزارتي الدفاع والداخلية. ويصف مختصون في شؤون الأمن هذه المرحلة بأنها "الأكثر اضطرابًا" في تاريخ الدولة العراقية الحديثة.
مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي (2011–2014)
بعد انسحاب القوات الأمريكية، تصاعدت الاغتيالات المحلية التي طالت أكاديميين ووجهاء وشخصياتٍ مجتمعيةٍ مؤثرة. يرى مختصون في علم الاجتماع السياسي أن هذه المرحلة شهدت انتقال العنف من الصراع الأيديولوجي إلى الصراع على النفوذ المحلي والاقتصادي.
اغتيالات تشرين (2019–2020)
مع اندلاع تظاهرات تشرين، شهد العراق موجةً جديدةً من الاغتيالات استهدفت ناشطين مدنيين وقادة ميدانيين وإعلاميين. تشير ملاحظات أكاديمية إلى أن هذه المرحلة كشفت الفجوة بين السلطة التنفيذية والقضائية.
هشام الهاشمي (2020) – العدالة المعلَّقة
اغتيل الباحث الأمني هشام الهاشمي في تموز 2020 أمام منزله ببغداد. أعلنت السلطات القبض على الجاني وعرضت اعترافاته، لكن القضية انتهت بالإفراج عنه بدعوى "عدم كفاية الأدلة".
أسباب ظاهرة الاغتيالات السياسية
يُجمع باحثون ومتخصصون في الدراسات السياسية والقانونية على أن ظاهرة الاغتيالات السياسية في العراق ناتجة عن ثلاثة عناصر مترابطة: الضغوط السياسية، غياب منظومات حماية فعّالة للشهود والمسؤولين العموميين، وتعدد الجهات المسلحة وغياب مركزية القرار الأمني.
إصلاحٌ مؤسسيٌ لتعزيز العدالة
وتشير قراءات أكاديمية متخصصة إلى أن الدولة لم تتمكن منذ 2003 من فرض احتكارها للعنف أو بناء جهاز عدلي قادرٍ على التعامل مع الجرائم ذات البعد السياسي. ويرى مختصون أن معالجة الظاهرة تتطلب إصلاحًا قانونيًا ومؤسسيًا شاملًا يشمل إعادة تعريف الجرائم السياسية وتوحيد الصلاحيات القضائية بين المركز والمحافظات.
خلاصة القول
من خلال استعراض الأحداث الممتدة بين عامي 2003 و2025، يتضح أن ظاهرة الاغتيال السياسي في العراق ليست مجرد أفعالٍ معزولة، بل نتاج تراكمي لعجزٍ مؤسسيٍ في أجهزة الأمن والقضاء. تبدأ كل حادثةٍ بردّ فعلٍ رسميٍّ سريع، وتنتهي إلى صمتٍ إداريٍ دون نتائجٍ قضائيةٍ معلنة. وتُعدّ قضية صفاء المشهداني اختبارًا حاسمًا لقدرة الدولة على كسر هذا النمط المزمن.

