التسوق الليلي عبر الإنترنت: فخ مالي مموه بثوب الراحة
في زمن تتحكم فيه التجارة الإلكترونية بإيقاع حياتنا الاستهلاكية، لم يعد التسوق نشاطا مرتبطا بساعات النهار أو أوقات الفراغ في العطلات، فالمنصات الرقمية جعلت كل شيء متاحا “بنقرة زر” على مدار الساعة. وهذا التغيير، ساهم في ظهور ما يعرف بنمط “التسوق الليلي”، إذ يختار الكثير من المستهلكين التسوق في ساعات متأخرة، استجابة لإيقاع حياتهم المزدحم وضغوط العمل، التي لا تمنحهم وقتا كافيا للتسوق خلال النهار.
مخاطر مالية خفية
ورغم أن هذه العادة تبدو للوهلة الأولى ميزة عصرية تمنح المستهلك حرية أكبر وتلبي احتياجاته الفورية، إلا أن التسوق الليلي عبر الإنترنت يحمل في طياته مخاطر مالية خفية، حيث يشير الخبراء إلى أن القرارات الشرائية التي تُتخذ في أوقات متأخرة من الليل، تكون أقل عقلانية وأكثر اندفاعاً، وذلك بفعل الإرهاق الذهني وتراجع القدرة على ضبط النفس، ففي ساعات الليل يكون مستوى الطاقة منخفضاً بعد يوم عمل طويل، ما يقلل قدرة الدماغ على مقاومة الإغراءات المالية.
استفادة المنصات الإلكترونية
في المقابل، تستفيد المنصات الإلكترونية من هذه “الثغرة السلوكية”، عبر تكثيف العروض والإشعارات الترويجية في ساعات المساء، وذلك بهدف دفع المستهلك للقيام بعمليات شراء طارئة وغير محسوبة، إذ تُجمع العديد من الدراسات، على أن نحو ثلث المعاملات الإلكترونية تحدث خلال ساعات المساء، مما يعكس تفضيلات المستهلكين واحتياجاتهم في تلك الأوقات، وهو التوجّه الذي تستغلّه المنصات.
فخ مالي مموه
ويثير سلوك المنصات الإلكترونية تجاه التسوق الليلي، تساؤلات جوهرية حول تأثيرها على قرارات المستهلكين، وتحويل عادة ممتعة إلى فخ مالي مموّه بثوب الراحة، ما يؤثر بطريقة سلبية على الميزانية الشهرية للأفراد، ويضعهم أمام مخاطر تكبّد أعباء مالية تتجاوز قدراتهم.
سلوك يخفي أبعاداً مالية خطيرة
وتقول الخبيرة في سلوك المستهلكين ساندرا ملحم، إن التسوق الليلي عبر الإنترنت لم يعد مجرد سلوك فردي عابر، بل أصبح نمطاً استهلاكياً منظماً يعكس التحولات في حياتنا اليومية، ففي الماضي كان التسوق نشاطاً مرتبطاً بمواعيد محددة، ولكن الثورة الرقمية ألغت تلك الحدود، وجعلت عملية التبضع متاحة على مدار الساعة، حيث يجد الكثير من الأفراد في هدوء الليل فرصة للبحث عن منتجات لم يتمكنوا من التفكير فيها خلال يومهم المزدحم بالمهام.
كيف يمكن مواجهة هذه الظاهرة؟
وتعتبر ملحم أن الحل لا يكمن في منع التسوق الليلي، الذي أصبح جزءاً من المرونة التي وفرتها التكنولوجيا، بل في تطوير استراتيجيات تساعد في الحد من المخاطر، فالاكتفاء بالنصائح التقليدية مثل ضبط الميزانية أو التخلّص كلياً من البطاقات الائتمانية لا يجدي نفعاً لوحده، حيث أن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب حلولاً مبتكرة تتماشى مع طبيعة العصر الرقمي، فعلى سبيل المثال يمكن تطوير تطبيقات مصرفية ذكية مزوّدة بخاصية “التحكم الزمني”، بحيث تتيح للمستخدم تحديد ساعات يُمنع عليه خلالها تنفيذ عمليات شراء، مشيرةً إلى أنه يمكن أيضاً إجبار المنصات التجارية على تبني أدوات “التسوق الواعي”، التي توّفر إشعارات تنبيهية تُظهر للمستخدم مجموع إنفاقه خلال الشهر مقارنة بدخله، أو رسائل تُذكّره بما إذا كان المنتج الذي يشتريه ضرورياً له، أو حتى عبر إدراج وضعية “الشراء المسؤول” التي تُقيد الإنفاق بما يتناسب مع ميزانية العميل الشهرية.

