الإصلاح المالي في العراق: خطوات إيجابية لكنها لا تزال بعيدة عن التنفيذ الفعلي
مقدمة
شهدت واشنطن مؤخرًا مشاركة الوفد العراقي في مؤتمر الإصلاح المصرفي، الذي يعكس محاولة بغداد لتقديم صورة واقعية عن نتائج برنامجها الاقتصادي. هذا الحدث يُعدّ اختبارًا عمليًا لمدى قدرة العراق على الإصلاح المالي والمصرفي.
خطوات الإصلاح
الوفد العراقي، الذي ضم عددًا من المستشارين والمسؤولين الماليين، سعى إلى إبراز ما تحقق من خطوات إصلاحية خلال العامين الماضيين. هذه الخطوات تشمل إعادة هيكلة المصارف الحكومية وتوسيع الشمول المالي وأتمتة النظام الجمركي والضريبي. كما تم التأكيد على زيادة الإيرادات الجمركية والضريبية عبر أتمتة نظام الجمارك باستخدام برنامج (أسيكودا) المعتمد من الأمم المتحدة.
تحديات الإصلاح
رغم هذه الخطوات الإيجابية، هناك تحديات كبيرة تواجه الإصلاح المالي في العراق. أحد هذه التحديات هو غياب الاستمرارية المؤسسية، حيث تميل كل حكومة جديدة إلى إعادة صياغة الاستراتيجية الاقتصادية من الصفر. هذا يعرقل تراكم الخبرة ويؤدي إلى فقدان التراكم المؤسسي اللازم لأي عملية إصلاح حقيقية.
الشمول المالي والتحول الرقمي
تُعدّ أنظمة الدفع الإلكتروني إحدى أكثر الملفات التي شهدت تقدماً ملموساً، حيث ارتفعت نسبة الشمول المالي من أقل من 10% إلى أكثر من 40% خلال عامين. ومع ذلك، يرى مراقبين في الشأن المصرفي أن التوسع الكمي لا يوازيه تطور نوعي في البنية المصرفية.
إعادة الهيكلة المصرفية
إعادة هيكلة المصارف الحكومية تعد من بين الركائز الأساسية في الخطة الحكومية.然而، يرى محللون ماليون أن الإصلاح الحقيقي لا يتحقق بمجرد إعادة الهيكلة الإدارية، بل بقدرة هذه المؤسسات على التحول إلى كيانات تمويلية مستدامة تساهم فعلياً في تحريك عجلة الإنتاج المحلي.
الاستمرارية المؤسسية
تؤكد دراسات في الاقتصاد العام أن نجاح أي إصلاح مالي يعتمد على تراكم الخبرة والاستمرارية أكثر من حجم التمويل أو الدعم الدولي. في الحالة العراقية، ما زالت الإصلاحات تُدار بمنطق “المرحلة الحكومية” لا “المرحلة الوطنية”، وهو ما يجعلها عرضة للتوقف بمجرد تبدّل التوجه السياسي.
الخلاصة
يمكن القول إنّ الإصلاح المالي في العراق يسير في الاتجاه الصحيح من حيث الشكل، لكنه لا يزال يحتاج إلى إطار مؤسسي دائم يضمن الاستدامة، ويحوّل الإصلاح من مبادرة حكومية إلى مسار دولة لا يتبدّل بتغيّر المسؤولين.

