التدخل الخارجي في تشكيل الحكومات العراقية: ظاهرة مستمرة
منذ عام 2003، أصبحت عملية تشكيل الحكومات في العراق شأناً داخليًا متأثرًا بتقاطع دوائر النفوذ الدولي والإقليمي. يُشكل هذا النوع من التدخل الخارجي جزءًا لا يتجزأ من المعادلة السياسية في العراق، حيث تتداخل الحسابات المحلية مع ضغوط الخارج في صناعة القرار التنفيذي.
الاعتراف بالضغط الخارجي
يقر عدي عبد الهادي، عضو الإطار التنسيقي، بوجود "الضغط الخارجي والإقليمي" في عملية اختيار رئيس الوزراء المقبل. هذا الاعتراف يسلط الضوء على ظاهرة "التدخل الممنهج" في تشكيل السلطات التنفيذية، والتي لم تعد استثناءً بل تحولت إلى جزء من النمط العام لتشكيل الحكومات في العراق.
مراحل التدخل الخارجي
مر التدخل الخارجي في العراق بمراحل متعاقبة، بدأت بالتأثير العسكري المباشر بعد عام 2003، مرورًا بالتحكم بالعملية الانتخابية من خلال التمويل والتحالفات، وصولًا إلى مرحلة النفوذ "الناعم" الذي يعمل داخل الأطر القانونية والسياسية. تشير الدراسات الحديثة إلى أن القوى الإقليمية والدولية لم تعد تعتمد على الضغط العسكري أو التلويح بالقوة، بل على أدوات أكثر تعقيدًا مثل العلاقات الاقتصادية، والدعم الإعلامي، والتنسيق الحزبي غير المعلن.
التأثير على بنية النظام السياسي
يعمل التدخل الخارجي على إعادة توزيع النفوذ داخل مؤسسات الدولة، حيث تُصاغ التحالفات وفق معايير الدعم الإقليمي أو الرضا الدولي. هذا يؤثر على بنية النظام السياسي نفسه، حيث يبرز ما يمكن تسميته بـ"الطبقة السياسية المحصنة"، وهي مجموعة من القوى والأفراد الذين يتمتعون بدعم مزدوج: داخلي من جمهورهم، وخارجي من شبكات المصالح.
التحديات والفرص
يبقى السؤال الأهم: هل يمكن للعراق أن يصل إلى مرحلة يكون فيها تشكيل الحكومة نتاجًا لإرادة وطنية خالصة؟ الجواب لا يتعلق بإلغاء التدخلات، بل بقدرة الدولة على إدارة التوازنات من موقع الفاعل لا المتأثر. فالتحرر من النفوذ لا يتحقق بالقطيعة مع الخارج، بل بإعادة تعريف العلاقة معه على أساس المصلحة الوطنية لا الوصاية السياسية.

