المشهد الرقمي الفوضوي في العراق: صراع بين الحظر والتوعية
مقدمة
يتكشف في العراق مشهد رقمي فوضوي، يتصدّره جيل ينشأ بين شاشتين؛ هاتف صغير يمنحه المتعة اللحظية، وقرارات حكومية تحاول كبح اندفاعه نحو ألعاب لم تعد مجرد تسلية بل سلوك اجتماعي موازٍ للواقع.
الخطر التربوي والفراغ التشريعي
يتحدث المختصون بلغة أخرى: الإصلاح من الداخل لا المنع من الخارج. علي العبادي، رئيس مركز العراق لحقوق الإنسان، يرى أن الظاهرة تتجاوز حدود اللعبة إلى بنية ثقافية كاملة فقدت أدوات الرقابة والتربية الرقمية. يقول العبادي: “الألعاب الإلكترونية ليست خطرًا بحد ذاتها، بل في غياب الوعي والاستخدام الرشيد. الحظر الكامل لا يصنع مجتمعًا واعيًا، بل يدفع المستخدمين إلى تجاوز المنع بطرق أخرى. الحل الحقيقي هو التثقيف والرقابة الذكية، لا المقص الإلكتروني.”
التأثيرات النفسية والاجتماعية
يُصرّ العبادي على أن “الدولة لا يمكنها إغلاق الإنترنت لكنها تستطيع تقنين السلوك”، لافتًا إلى أن التجارب الأوروبية والآسيوية أثبتت أن معالجة الظاهرة تتم عبر تقييد الاستخدام وتوجيه المحتوى، لا عبر قرارات المنع الكلي التي تعيد إنتاج المشكلة بأشكال أخرى. فالح القريشي، المختص في علم النفس، يتحدث عن تحول “الطفل العراقي” من كائن اجتماعي إلى كائن افتراضي، ويؤكد أن الاستخدام المفرط للألعاب يؤدي إلى إدمان الشاشات، وهو ما يؤثر على المهارات التعليمية والتواصل الاجتماعي.
الدور الحكومي والتشريعي
في الميدان السياسي، تتلاقى المخاوف الحقوقية مع الحراك التشريعي؛ إذ أعلنت سميعة غلاب، رئيسة لجنة الثقافة والإعلام النيابية، عن تقديم مقترح قرار لمجلس النواب لحظر الألعاب الإلكترونية المحرّضة على العنف، استنادًا إلى المادة (59) من الدستور. ويقرأ مراقبون هذه الخطوة باعتبارها محاولة لـ"ضبط المجال الافتراضي" بعد أن أصبح فضاءً مفتوحًا لتشكيل الوعي الجمعي بلا رقابة.
التوعية والتربية الرقمية
يرى محللون أن ما يجري ليس مجرد نقاش حول ألعاب، بل اختبار لقدرة العراق على إدارة “التحول الرقمي الاجتماعي” القادم. فالإدمان على الشاشات لا يُعالج بالمصادرة، بل ببناء وعي مجتمعي قادر على الفصل بين الاستخدام والترفيه، بين الواقع والافتراض. والمفارقة أن الجيل الذي خُلِق في عالم رقمي لا يمكن إعادته إلى الوراء، لذا فإن المعركة ليست ضد الألعاب، بل من أجل ترشيدها. فالحظر قد يُغلق نافذة، لكن التوعية تفتح بابًا نحو تربية رقمية واعية تحفظ الطفولة وتؤسس لمواطنة رقمية جديدة.

