يصعب أن تنهض الأمم، وتزدهر الأوطان، وترتقى الإنسانية، ويعم السلم والسلام، وتسود الفضيلة، وتتفرد الوسطية، بعيدًا عن فهم صحيح مبنى على معرفة قويمة، توجه السلوك لطرائق سوية، وتنير الرؤى التى تخط المستقبل، وتدفع بقاطرة النهضة للأمام، وتصلح المعوج بصفة مستدامة؛ فتحدث التنمية فى مجالاتها المختلفة، دون توقف، وتتبادل الأجيال الراية التى تحمل معانى الرفعة والرقي، والمضى قدمًا فى طريق مفعم بالجد، والاجتهاد، والعمل، والعطاء.
فقه الإنسان لذاته، ووعيه الرشيد، يقوم على ماهية معرفة صحيحة، تتكون عبر رحلة شاقة، يخالط فيها تجاربه مع خبرات وأثر السابقين، فتتكون لديه الرؤى الخاصة، وتتشكل فى ذهنه المفاهيم التى تعينه على تفسير الظواهر من حوله، بل، تساعد على صناعة واتخاذ القرار السديد، وفى حال إرثه أو اكتسابه للمفاهيم بصورة مغلوطة أو خطأ، يحدث ما لا يحمد عقباه، سواءٌ ارتبط بممارساته تجاه نفسه أو الآخرين؛ ومن ثم تنمو القناعات التى يصعب مع مرور الوقت العمل على تغييرها أو استبدالها؛ لذا جاءت الدعوة حثيثة وموجهة تجاه تصويب أنماط الفهم الخطأ، وفق آليات صحيحة معترف بجدواها، خلال رحلة البحث والاستقصاء والتجريب.
الفهم الصحيح أو السليم، يخلق حالة الاستقرار والاتزان، التى تنعكس بصورة مباشرة على ممارسات الإنسان منّا وإيجابيته، وهذا ما يجعلنا نعلن صراحة عن الشرط الضامن لتحقيق هذا الأمر، والمتمثل فى أن الفرد لا يقتنع بالمفهوم الخطأ، ولا يتكون لديه مستويات من الرضا والتقبل؛ ومن ثم يحاول استكشاف أبواب المعرفة، التى يراجع من خلالها ما لديه من مساقات غير قويمة، وبناءً عليه يحاول أن يجتهد فى تغيير ما لديه من معلومات، ترتبط بفحوى المفاهيم التى ترسخت فى ذهنه؛ ليصل إلى المعنى الصحيح، الذى يقوى قناعته وحجته على السواء.
دعوى التصويب تتطلب أن يكون المفهوم البديل، أو الجديد، أو الصحيح، واضحًا وقابلًا للاستيعاب؛ ومن ثم يتوجب أن نضيف له تفاصيل، تنقله من مستوى التجريد لعتبات الإحساس؛ ليحدث ما نسميه تآلف الإنسان مع سياق المعنى الجديد، كما يفضل أن نربط دلالته أو جزءًا منها مع ما لديه من خبرات سابقة؛ لنعضد الواقع بجذور الماضي؛ كى يتبدد الغموض، ويصبح طموح التقبل فى درجاته المنشودة؛ ومن ثم يتخلى الفرد عن قناعاته المغلوطة، وينتقل لمستويات من الفهم الصحيح، الذى يجعله يتمسك دومًا بصحة المغزى والمعنى على الدوام.
تصويب أنماط الفهم الخطأ لا ينعزل عن القبول النفسى والمعرفي، للمفهوم الجديد، أو البديل، بكافة تفاصيل معانيه؛ فرغم قناعة المنطق؛ إلا أن الشعور أو الإحساس بالجدوى بات أمرًا مهمًا فى هذا الصدد؛ فهناك مزيد من الأفكار، التى يمكن أن نسكبها لتزيد من المعنى جمالًا ورونقًا فى ذهن المتلقي، وهذا يؤكد لنا أهمية تعدد وظيفية الخبرة، التى ينبغى أن نربطها بالمفهوم الصحيح؛ لتحدث ماهية الثقة واليقين بفائدة ما يتبناه الإنسان من فهم قويم، وما يؤدى إليه من نتائج طيبة، تنعكس على الممارسة أو السلوك بصورة تلقائية، وتؤدى دون مواربة لتعزيز مستويات الرضا والتقبل لديه.
نوقن أن شعور الإنسان منا بثمرة ما يدركه، أو يتعلمه، أو يكتسبه، أضحى شرطًا رئيسًا فى سعيه لتصويب أنماط الفهم الخطأ التى قد تصيبه؛ لذا يتوجب أن يكون المفهوم الجديد مثمرًا، وهذا لا جدال أنه يستثير الفرد ليبحث دؤوبًا عن إضافة معانى أكثر عمقًا، بمزيد من الاستقصاء الذى بات متاحًا عبر الفضاء الرقمى الزاخر بمتلون المعرفة عبر مصادرها الموثوقة والموثقة؛ فقد صار الأمر حتميًا فى ظل المحاولات الكثيفة، التى تعزز أطر المعرفة السليمة؛ لنصبح قادرين على مواكبة الأحداث الجارية، ولدينا المقدرة على طرح رؤى مستقبلية تدفعنا لبوابات الاستكشاف المليئة بالخيرات.
الدعوة إلى تصويب أنماط الفهم الخطأ، يعنى الخروج من حيز الجمود لواحة المرونة الفكرية، التى تزيد من معدلات النضج لدينا، وتمنحنا الفرصة، التى تساعدنا فى قراءة المشهد بصورة صحيحة؛ ومن ثم لا ننخدع بزيف قول، أو شائعات مغرضة، من جهات تعمل جاهدة على تكريس الفهم المغلوط فى وجدانياتنا.. ودى ومحبتى لوطنى وللجميع.

