اعتذار معتمد المرجعية الدينية العليا في البصرة: تصحيح مسار أو تذكير بالحياد
أعد اعتذار معتمد المرجعية الدينية العليا في البصرة، علي محمد رشاد المظفر، عن خطبة الجمعة التي دعا فيها إلى المشاركة في الانتخابات وحدّد خلالها “قوائم لا يجوز انتخابها”، الجدل مجددًا حول موقف المرجعية من العملية الانتخابية، وحدود العلاقة بين المنبر الديني والموقف السياسي في العراق.
الخلفية
في خطبته الأخيرة، قال المظفر أمام المصلين إنّه "لا يجوز انتخاب القائمة التي لا تحافظ على الحشد، ولا القائمة التي تتنازل عن خور عبدالله أو بادية السماوة، ولا التي تعمل على تمرير أنبوب بصرة – عقبة وصولًا إلى الكيان الصهيوني"، مضيفًا أن "الانتخابات وسيلة للتغيير وحماية العراق من التنازلات". لكن سرعان ما نشر معتمد المرجعية مقطعًا مصورا أعلن فيه اعتذاره الصريح قائلاً: "أعتذر عن دعوتي السابقة للمشاركة في الانتخابات في خطبة الجمعة الماضية، وكان ذلك رأيا شخصيا لا يمثل المرجعية لا من قريب ولا بعيد."
موقف المرجعية
الاعتذار السريع أعاد إلى الأذهان ثبات المرجعية العليا على سياسة الحياد، وحرصها على عدم الزجّ باسمها في أي دعاية أو توجيه انتخابي. الخبير في الشؤون الاستراتيجية محمد التميمي، قال إنّ "اعتذار معتمد المرجعية في البصرة يعكس إصرار المرجعية العليا على النأي بنفسها عن أي اصطفاف سياسي أو توجيه انتخابي، مؤكداً أن المرجعية تترك الخيار للمواطنين بحرية تامة وفق قناعاتهم ومصلحتهم الوطنية".
تاريخ المرجعية
منذ عام 2003، شكّلت المرجعية الدينية العليا في النجف بزعامة السيد علي السيستاني، المرجعية الموجِّهة للضمير العام دون أن تتحوّل إلى فاعل سياسي مباشر. المرجعية منذ سنوات تتعامل مع الانتخابات بوصفها وسيلة مدنية لا دينية، وتؤكد أن دورها يقتصر على التذكير بالإصلاح ومحاربة الفساد، دون أن تدعم جهة بعينها.
موقف المرجعية من الانتخابات
المرجعية في النجف تتعامل مع الانتخابات بمنطق "المسافة الواعية"؛ فهي تؤمن بضرورة العملية الديمقراطية، لكنها لا تضع نفسها داخلها. فكلما ارتفعت حمى التنافس الطائفي أو المالي، تختار الصمت لتؤكد استقلالها عن الجميع. وفي المقابل، كلما انحدر الأداء السياسي، تعود بخطبة إصلاحية تُذكّر بالمبادئ ولا تُسمّي الأسماء.
الخلاصة
حادثة البصرة الأخيرة تُعيد التذكير بحدود العلاقة بين المنبر كأداة وعظية وبين المرجعية كمؤسسة قيمية. فالخطيب يمكن أن يُعبّر عن رأيه، لكن المرجعية لا تسمح بتحويل هذا الرأي إلى موقف ديني رسمي. الاعتذار السريع بمثابة تصحيح للمسار وإشارة للآخرين بأن المنبر ليس للدعاية الانتخابية، وأن المرجعية تُريد أن تبقى في موقعها التاريخي كصوت ضميرٍ وطني لا كحزب سياسي. منذ أكثر من عقدين، حافظت المرجعية على خيط دقيق بين الدين والسياسة، بين النصيحة والموقف، بين الوطن والمذهب. حادثة معتمد البصرة اليوم ليست خروجًا عن هذا النهج، بل تأكيدٌ عليه.

