رسالة مصر التاريخية والأبدية، التعايش والسلام بين أبناء الشعب الواحد، من جهة، والشعوب مع بعضها البعض، من جهة ثانية، مهما تعددت الاختلافات الدينية والثقافية، لذلك تكتسب رسالة «السلام» المنطلقة من مدينة «السلام»، أهمية كبرى، وتعد الأقوى والأهم لكل دول العالم بشكل عام، ودول الإقليم بشكل خاص، الذى أنهكته حروب بربرية ضد الإنسانية ومحاولات فرض الهيمنة وتغيير الهوية.
مصر، وانطلاقا من دورها التاريخى أو قل من أن التاريخ ومنذ بدء الخليقة جعل منها منارة السلام، وتصدير الأمن والأمان، ولما لا ومنذ هبوط الرسائل السماوية على الأرض، وآخرها القرآن الكريم، رسخت لحقيقة أن الكنانة تنثر الأمن والأمان، ومنارة السلام، وأول دولة فى الكون توقع اتفاقية سلام، موجود نسخة منها بمقر الأمم المتحدة.
وعلى مدار الأيام القليلة الماضية، جاءت رسالة «السلام» من «مدينة السلام» لوضع نهاية الحرب فى غزة، وبشىء من التحليل الدقيق والرصين، يتكشف أن اتفاقية السلام لإيقاف حرب الإبادة فى غزة يمكن البناء عليها وتصديرها إلى كل المناطق المتفجرة، ووضع النهايات مثل الحرب الروسية الأوكرانية، وفى السودان وغيرها من المناطق المتفجرة، ويصير السلام عدوى صحية رائعة، مثل أن الحروب والقلاقل أيضا عدوى قاتلة ومميتة.
تاريخ مصر حافل بإرساء قيم الحق والعدل والسلام، ومن أراضيها انطلقت كل رسائل التنوير، والمعانى السامية للإنسانية، فكل دول العالم تقيم للاجئين خياما ومعسكرات خاصة وبعيدة على الحدود، إلا مصر، لم تقم خيمة واحدة للاجئ، وإنما تحتضنهم مثلهم مثل شعبها!
ومن غير مصر التى دشنت، منذ فجر التاريخ، رسائل السلام، وتحديدا منذ عام 1258 قبل الميلاد، أى أكثر من 3276 عاما، عندما وقع الملك رمسيس الثانى من الأسرة الفرعونية التاسعة عشرة، معاهدة سلام مع الحيثيين، والمسجلة على أكثر من نسخة مختلفة من ألواح الفضة والطين وورق البردى!
اتفاقية «قادش» للسلام، التى وقعها الملك المصرى رمسيس الثانى مع نظيره الحيثى، دُشنت رغم انتصار جيش مصر الذى قاده الملك بنفسه، ورغم الانتصار، استجابت مصر لمبادرة السلام، التى نادى بها مواتالى الثانى ملك الحيثيين.
ولن نكون مزايدين إذا اعتبرنا معاهدة قادش هى الأساس لجميع المعاهدات التى توالت بعد ذلك، لا سيما أنها «جمعت بين تطبيق القوانين والتشريعات وضمان حق الشعوب فى العيش بأمن وسلام، والتأكيد على أهمية إقامة علاقات جيدة بين الدولتين، والسعى إلى إحلال سلام أساسه احترام سيادة أراضى الدولتين، والتعهد بعدم تحضير الجيوش لمهاجمة الطرف الآخر، وإقامة تحالف وقوة دفاعية مشتركة، واحترام الرسل والمبعوثين بين الدولتين لأهمية دورهم فى تفعيل السياسة الخارجية، واللجوء إلى لعنة الآلهة كضمانة لهذه المعاهدة، حيث تصب اللعنات على من يخالف بنود الاتفاقية.
أثبتت معاهدة قادش للسلام أن الحرب مدمرة، فبعد 16 عاما من الحروب التى خاضها رمسيس الثانى ضد الحيثيين، تكبدت فيها البلاد خسائر فادحة، وانهار اقتصادها، وفقدت خيرة شبابها، وبعد توقيع اتفاقية السلام، تمكن رمسيس الثانى من الاهتمام بإقامة المشروعات، ومشاريعه المعمارية والهندسية الخالدة، وانعكس ذلك على ازدهار مصر بشكل واضح.
مصر، وكما قدمت للإنسانية، مشاعل العلم والتنوير، وتراثا حضاريا عظيما، وجنحت مبكرا للسلام والأمن والاستقرار، عادت لتؤكد هذه القيمة العظيمة، حديثا، لتذكر العالم بقيمة السلام، عندما أعلن الرئيس الراحل، أنور السادات، مبادرته للسلام مع إسرائيل، وتم توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، أى منذ 39 عاما، والأمر لم يكن فى توقيع الاتفاقية، وإنما فى المخزون الحضارى العظيم للمصريين، القائم على احترام الاتفاقيات والتعهدات، وعدم خرقها، ثم كانت الاتفاقية الأبرز فى الحدث والتوقيت، عندما جاء قادة العالم لمدينة السلام، شرم الشيخ، بحثا عن إيقاف أسوأ مقتلة فى التاريخ، وإقرار السلام فى غزة المنكوبة المكلومة، لتنطلق رسالة «السلام»، وترسخ مبادئ القيم العليا للإنسانية، وفجر الضمير، الذى تتمتع به مصر.. مصر وفقط.

