«الموت والبستاني»: رثاء أب استمد كرامته من التراب
مقدمة
ليس من السهل أن تكون موضع حزن، فالكتّاب، على وجه الخصوص، لا يتركونك ترقد بسلام. في روايته الجديدة «الموت والبستاني»، يرسم الكاتب البلغاري غيورغي غوسبودينوف لوحة قاتمة لتدهور الحالة الصحية لوالده بصورة سريعة ومؤلمة، وصولاً إلى وفاته عن عمر يناهز التاسعة والسبعين، بعد إصابته بالسرطان للمرة الثانية.
الراوي والوالد
الراوي الابن، الذي لم يذكر الكاتب اسمه، هو روائي حائز على جوائز، يشبه إلى حد كبير المؤلف غوسبودينوف نفسه، الذي فاز بجائزة «البوكر الدولية» عام 2023 عن روايته «مأوى الزمن»، وكان والده قد تُوفي أيضاً بالسرطان في عقده السابع.
الحزن والرواية
كانت «مأوى الزمن» هجاءً معقداً يجمع بين السياسة والحنين، مستنداً إلى فكرة بارعة عن عيادات رعاية الذاكرة التي تُحاكي عصوراً ماضية، والتي انتشرت في المجتمع ككل. أما «الموت والبستاني» فهي أقصر وأبسط، مليئة بالحكم وذات طابع حميمي.
شخصية الأب
الأب في «الموت والبستاني» ليس مقدساً كما يُنظر إلى العديد من الآباء، لكنه نال نوعاً من النُبل بسبب أوجه ضعفه. فقد نشأ فقيراً في زمن كان يُنظر فيه إلى الأطفال كعمال تحت التدريب، وكان فقيراً إلى حد أنه عندما تضررت مقدمة قبعة المدرسة، استبدل بها غلاف كتاب الكيمياء بعدما طلاه بملمع الأحذية.
حياة الأب
كان طويل القامة، واستلهم حبه لكرة السلة بعد مشاهدة فيلم عن فريق «هارلم غلوبتروترز» في مدينة ستارا زاغورا الصغيرة، لكن والدَيْه أجهضا هذه الفكرة. تزوج وأنجب ولدين، وبسبب طبيعته المعاندة، تم طرده أو استقال من عدة وظائف قبل أن يعمل في فريق لعلاج آفات المزروعات، إلى جانب مرضى نفسيين.
موت الأب
بعد سقوط جدار برلين، واجه سلسلة من الإخفاقات في الزراعة الحرة، بدأت بفائض من البصل غير المرغوب فيه. حتى أن ابنه يسميه بأسى «دون كيخوته الأعمال الزراعية»، إلا أن حب الأب للأرض ظل صامداً ولم يتأثر.
رثاء الأب
«كأن لوحاً ثقيلاً من الحجر يضغط على صدري»، هكذا وصف صديق للراوي الشعور الذي جاءه فجأة بعد شهر من الإحساس بالخدر، واستمر هذا الشعور طوال عام كامل. وبينما يتصفح الراوي مقال ميشيل دي مونتين «عن الحزن»، يلاحظ أن الشخصية الأسطورية «نيوب»، التي فقدت سبعة أبناء وسبع بنات على يد آلهة غاضبة، تحوّلت إلى حجر فعلي.
رواية متواضعة
تبدو رواية «الموت والبستاني» متواضعة بحد ذاتها، كأنها نبتة رقيقة تنمو بين أوراق الخريف الصاخبة. إنها رثاء يحمل لمحات من الكوميديا السوداء أحياناً. «من جهة ما، نعم، حالته استقرّت»، يفكر الراوي بعدما يسأله أصدقاء سذج عن حالة والده الصحية. «فلا يوجد شيء أكثر استقراراً من الموت».
الخاتمة
يستحضر الراوي التعبير القديم «يدفع الأزهار» (تعبير يعني موت الشخص أو تمدده في القبر)، لكنه يقدّمه بطريقة أكثر شاعرية أثناء زيارته قبور بورخيس (برفقة الغربان) وتوماس مان (مع النحل) طلباً للعزاء. يقول الراوي: «أتساءل إن لم تكن الزهور مساعدات خفيّات للموتى الذين يرقدون تحتها، وهم يراقبون العالم من خلال منظار سيقانهم».

