التأثير الخارجي في العراق: تحول من التدخل العسكري إلى التأثير السياسي
منذ عام 2003، شكّل العراق ساحة مفتوحة لتقاطعات النفوذ الدولي والإقليمي، إذ تحوّل القرار السياسي في كثير من الأحيان إلى ميدان مساومات بين العواصم، أكثر مما هو انعكاسٌ لإرادة داخلية مستقلة. غير أن السنوات الأخيرة حملت إشارات مختلفة: تراجع في الوجود العسكري المباشر للقوى الأجنبية، مقابل استمرار تأثيرها السياسي بطرق أكثر نعومة وتعقيدًا.
تحول في أشكال النفوذ
هذا التحوّل، كما يرى المختص في الشؤون الاستراتيجية علي الجبوري، “يُعدّ تراجعًا نسبيًا في التدخلات الخارجية، لكنه لا يعني انتهاءها، بل تحوّلها إلى أشكال أكثر هدوء وتعقيد”. ويأتي ذلك منسجمًا مع ما أكده زعيم تيار الحكمة الوطني عمار الحكيم، الذي أشار إلى أن "حجم التدخلات الخارجية في العراق تراجع بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة".
النفوذ الإيراني والأميركي
يشير خبراء العلاقات الدولية إلى أن تراجع التدخل العسكري في العراق لم يُنهِ تأثير الخارج، بل نقل ساحة الصراع إلى الميدان السياسي. فبدلاً من الوجود العسكري المباشر، باتت القوى الإقليمية والدولية تتحكم في المشهد من خلال التحالفات الحزبية، وتمويل الحملات الانتخابية، وإدارة التوازن داخل الكتل النيابية.
تأثير الإعلام والاقتصاد
تُعدّ مشاريع الطاقة والاتصالات أبرز أمثلة هذا الارتباط، إذ تشارك شركات خليجية وأوروبية وآسيوية في تنفيذ عقود كبرى تحت إشراف الحكومة العراقية أو بالتعاون مع مؤسسات التمويل الدولية. هذا النمط من الاعتماد المتبادل، وإن كان ضرورياً لاقتصاد يعاني من هشاشة التمويل الداخلي، إلا أنه يفتح الباب لتأثير سياسي غير مباشر، من خلال آليات العقود والتفاوض والتمويل.
مستقبل النفوذ الخارجي في العراق
ويشير الجبوري في هذا السياق إلى أن “تحول التدخلات إلى أشكال أكثر هدوء وتعقيد لا يعني زوالها، بل إعادة تموضعها في مساحات جديدة من الإعلام والاقتصاد”. وهو توصيف دقيق للواقع السياسي الراهن، حيث لا يُرى النفوذ بوضوح كما كان، لكنه موجود في خلفية المشهد، يوجّه القرارات دون أن يُعلن نفسه. تقول Chatham House إن “تراجع التدخلات الخارجية في العراق ما زال هشًا، لأن أساسه قائم على تهدئة ظرفية لا على إصلاح بنيوي”.

