العلاقة بين بغداد وكردستان: تاريخ من الصراع والتوازن
منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، بقيت العلاقة بين بغداد وإقليم كردستان مرآةً لتناقضات الهوية الوطنية، وتوازنات السلطة، وحدود الثقة السياسية بين المركز والأطراف.
تاريخ الصراع الكردي – المركزي
التاريخ السياسي الحديث للعراق لا يمكن قراءته دون المرور بمحطات الصراع الكردي – المركزي، بدءاً من الانتفاضات المسلحة ضد الأنظمة الملكية والجمهورية، وصولاً إلى تجربة الحكم الذاتي، ثم مرحلة ما بعد عام 2003 التي منحت الكرد وضعاً دستورياً غير مسبوق، لكنه ظل محكوماً بتجاذبات السياسة أكثر من نصوص القانون.
التطورات السياسية في كردستان
انتقلت العلاقة بين الطرفين من الصراع العسكري إلى الشراكة المشروطة، ومن المطالبة بالانفصال إلى الدعوة لتطبيق الفيدرالية. ومع كل منعطف سياسي، كانت هذه العلاقة تختبر من جديد قدرتها على الصمود أمام أزمات الثقة المتكررة، سواء في ملف النفط أو تقاسم الإيرادات أو حدود الصلاحيات الإدارية والأمنية.
أزمة الثقة بين بغداد وكردستان
بلغت أزمة الثقة ذروتها في عام 2017 حين أجرى إقليم كردستان استفتاء الاستقلال، في خطوةٍ اعتبرتها بغداد “خرقًا للدستور وتهديدًا لوحدة البلاد”. ردّت الحكومة الاتحادية حينها بإجراءات سياسية وعسكرية أبرزها استعادة السيطرة على كركوك والمناطق المتنازع عليها، لتبدأ مرحلة جديدة من إعادة ضبط العلاقة على أسس مختلفة تماماً، جعلت الإقليم يعيد التفكير في أدواته السياسية ومصادر قوته داخل بغداد لا خارجها.
المنافسة بين الأحزاب الكردية
منذ تلك اللحظة، تغيّر المشهد الكردي الداخلي أيضًا. فبينما تبنّى الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني خيار “تعزيز الفيدرالية من داخل النظام العراقي”، تبنّى الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني نهجًا أكثر قرباً من المركز، مع تركيزٍ على التمثيل السياسي في بغداد كوسيلة لضمان المصالح الكردية. هذا التباين خلق منافسة واضحة بين الحزبين على “من يمثل الكرد فعلاً في بغداد”.
العلاقة بين بغداد وكردستان في المرحلة الراهنة
أخذ هذا التنافس طابعاً مؤسساتياً بعد عام 2021، حين أصبح لكل حزبٍ قنواته السياسية داخل البرلمان والحكومة. فـالاتحاد الوطني ركّز على علاقاته المتينة مع الإطار التنسيقي والقوى الشيعية، بينما فضّل الديمقراطي الكردستاني الحفاظ على علاقة متوازنة مع الأطراف السنية والشيعية على حد سواء، بما يضمن له هامش حركة أوسع في المفاوضات حول الملفات المالية والنفطية.
مستقبل العلاقة بين بغداد وكردستان
وفي هذا الإطار، قال ريبين سلام، عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، في حديثه لـ"بغداد اليوم": “إقليم كردستان مازال يعتبر بغداد عمقاً استراتيجياً للإقليم، وبالرغم من المشاكل والأزمات التي تسببت بها بغداد لكردستان، ومخالفتها للدستور والقانون، لكننا مازلنا نأمل بعراق قوي لحل الأزمات المتراكمة”. وأضاف أن "ليس صحيحاً أن الكرد والإقليم يشجعون على إضعاف العراق، بل من مصلحتنا عراق قوي، ولكن لا نريد لهذه القوة أن تكون على حساب الكرد، ويتم التعامل معنا كمواطنين درجة ثانية، كما حصل في الدورات السابقة من تأخير الرواتب وخلق الأزمات".
استنتاج
تُظهر تطورات المرحلة الراهنة أن العلاقة بين بغداد وكردستان تمرّ بمرحلة إعادة توازن أكثر من كونها أزمة جديدة. فالمشترك بين الطرفين — رغم الخلافات — هو الإدراك المتبادل بأن لا استقرار للعراق دون استقرار الإقليم، ولا ازدهار للإقليم دون استقرار بغداد.

