تكرار حوادث الخطف والقتل في العراق: تحدّ جديد أمام الدولة
تكرار حوادث الخطف والقتل
تتوالى حوادث الخطف والقتل في العراق بوتيرة لافتة خلال الأسابيع الماضية، من بغداد إلى واسط وصلاح الدين. مشهد سيارات مظللة تتجول بحرية، تُستخدم في خطف مواطنين وضربهم في وضح النهار، يضع الدولة أمام تحدٍّ قديم جديد: كيف تُطبّق سيادة القانون في ظل سلاح منفلت وبيئة تتكرر فيها الجريمة بلا رادع؟ وفق تقديرات أمنية، فإن خطورة هذه الحوادث لا تكمن في عددها، بل في طريقة تنفيذها ورسالتها إلى المجتمع: لا حصانة لأي أحد، ولا حضور رادع للدولة.
ردود الفعل الرسمية
لجنة الأمن والدفاع النيابية حاولت طمأنة الشارع. يقول عضو اللجنة النائب ياسر إسكندر: "قراءة موضوعية لحوادث القتل في العراق والدول المجاورة تُظهر أن العراق من الدول ذات المعدلات المنخفضة مقارنة بالدول الأخرى، رغم التضخيم الإعلامي الذي يخلق انطباعاً خاطئاً بوجود مسلسل متسارع من نزيف الدم".
حوادث خطف وقتل في بغداد
في الجادرية، وهي من أكثر مناطق العاصمة تحصيناً وتواجداً أمنياً، وقع حادث خطف أثار صدمة واسعة. إذ توقفت سيارة مظللة عند أحد الشوارع الرئيسية، ترجل منها مسلحون بوجوه مكشوفة، واقتربوا من رجل كان برفقة زوجته. لم يكتفِ المسلحون بخطفه، بل انهالوا عليه ضرباً أمام أنظار المارة، فيما تعرضت زوجته للركل والاعتداء اللفظي وهي تحاول الاستغاثة.
حوادث خطف وقتل في المناطق الأخرى
أما في اليوسفية، فقد كان المشهد أكثر جرأة ووضوحاً. إذ اقتحمت ثلاث سيارات مظللة الطريق الرئيس ظهراً، في وقت يعجّ بالحركة. توقفت المركبات بشكل منسّق لإغلاق الطريق أمام المارة، ثم توجه المسلحون نحو سيارة مدنية من نوع سورنتو كان يستقلها رجل بمفرده. خلال لحظات قصيرة، تم إنزاله بعنف تحت تهديد السلاح، وأُجبر على الدخول في إحدى السيارات المظللة التي انطلقت بسرعة إلى جهة مجهولة.
تحليل الحوادث
هذا الحادث كشف عن مستوى التنظيم والقدرة التي تمتلكها الجماعات المسلحة أو العصابات، فاستعمال أكثر من سيارة مظللة، وإغلاق الطريق بالكامل، يشير إلى أن العملية لم تكن عشوائية بل مُخطط لها بعناية، في منطقة معروفة بكثرة السيطرات الأمنية. مثل هذه التفاصيل تجعل القلق الشعبي مضاعفاً، فالجريمة لم تكن مجرد لحظة عابرة بل رسالة صريحة أن الخطف ممكن أن يتم بأي مكان وزمان وبأدوات تبدو "محمية من المحاسبة".
قضية عمر العزاوي
وتضاف إلى هذه القائمة المأساوية حادثة هزّت الشارع العراقي مؤخراً، كان ضحيتها عمر العزاوي، طالب المرحلة الثالثة في كلية الطب – الجامعة المستنصرية، ومن أوائل العراق في الامتحانات الوزارية. القصة بدأت حين لاحقته مجموعة من الشباب على دراجة نارية قبل أسابيع، ليُعثر عليه لاحقاً محروقاً ومقيّداً، نُقل إثرها إلى المستشفى بحالة حرجة.
ردود الفعل الرسمية على حوادث القتل
إسكندر نفسه عاد ليقول: "الحوادث الأخيرة، مثل مقتل امرأة في صلاح الدين، وأخرى في واسط، وقتل مدني في محافظة أخرى، كلها جرائم جنائية تم كشف خيوطها من قبل الأجهزة الأمنية، مؤكداً أن الأمر لا يعني وجود انتكاسة أمنية، وإنما جرائم تحدث نتيجة عداوات ومشاكل عائلية وعشائرية يتم التعامل معها بكشف غموضها واعتقال المتورطين".
تكرار حوادث القتل
التصريحات تُبرز إصرار الدولة على وضع هذه الحوادث في خانة "الجنائي المحدود". لكن الوقائع تتكلم بغير ذلك. في الكوت، اغتيلت موظفة حقوقية بسبع رصاصات أمام منزلها. في حي القاهرة ببغداد، قُتل ضابط متقاعد وزوجته وأصيب طفلهم داخل منزلهم. في كربلاء، هزّت الرأي العام قضية خطف وقتل طفل على يد أحد أقاربه. كلها جرائم "مكشوفة"، لكن الكشف بعد وقوع الجريمة لا يُعيد الثقة المفقودة.
تحليل أمني
بحسب قراءات أمنية متخصصة، فإن تكرار استخدام السيارات المظللة في عمليات الخطف والقتل ليس مجرد تفصيل تقني، بل عنوان لمعضلة أكبر. هذه السيارات، التي يُفترض أن تكون تحت رقابة الدولة، تحولت إلى "أداة جاهزة للجريمة". وجودها في الشارع يختصر ثلاث مشكلات: سلاح منفلت، ضعف رقابة، وإفلات شبه دائم من العقاب.
الحلول الممكنة
الأجهزة الأمنية تعلن كل مرة عن "كشف خيوط" الجريمة واعتقال المتورطين، لكن غياب إجراءات رادعة لإيقاف هذه الأدوات مسبقاً يجعل الناس يشعرون أن الجريمة قابلة للتكرار في أي وقت. هنا يذهب خبراء في الشأن المؤسسي إلى القول إن ضبط السلاح والسيارات المظللة أهم من أي حملة إعلامية أو بيانات تطمينية.
تحديات العراق
الوضع الحالي يضع العراق أمام معادلة صعبة: خطاب رسمي يصر على أن معدلات الجريمة "منخفضة"، في مقابل واقع يومي يُظهر تكراراً لعمليات خطف وقتل بأساليب مروعة. النتيجة هي أزمة ثقة متفاقمة بين المواطن والدولة.
مستقبل الأمن في العراق
السيارات المظللة والسلاح المنفلت وثقافة الإفلات من العقاب صارت ثلاثية متماسكة تغذي أي جريمة جديدة. وإذا لم تُكسر هذه الحلقة بقرارات جريئة، سيبقى المشهد الأمني يدور في حلقة مفرغة: جريمة تقع، بيان يُصدر، متورط يُعتقل، لكن الشعور بعدم الأمان يتعمق أكثر فأكثر.

