التفاعل الأوروبي مع القضية الفلسطينية: تحولات وآفاق
مقدمة
تعكس مشاهد التفاعل الأوروبي التضامني النوعي مؤخرا على الصعيد السياسي والشعبي والإعلامي والقانوني والإنساني مع القضية الفلسطينية بالعموم، والوقوف أمام جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها دولة الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني في غزة بالخصوص، حجمَ النقلة الهائلة بما كان عليه الحال في نفس الفترة قبل سنتين إبان إندلاع الأحداث والشروع بمسلسل الجرائم التي ارتكبت في غزة وعز نظيرها في التاريخ، فيما وثقته عدسات الصحافة ووسائل الإعلام لحظة وقوعه ودون رتوش، وتتسم هذه المظاهر بالجدية والوضوح في المطالب على الصعيدين؛ الرسمي والشعبي، على حد سواء.
التفاعل الشعبي
على الجانب الشعبي تعكس الإحصاءات الصادرة من المركز الأوروبي الفلسطيني للإعلام أن عدد المظاهرات خلال الـ 730 يوما الماضية من عمر الإبادة الجماعية، قد بلغ أكثر من 45 ألف مظاهرة تضامنية فيما يقرب من 800 مدينة أوروبية ممتدة على جغرافيا 25 دولة أوروبية خلاف فعاليات المملكة المتحدة، وإذا ما أضفنا أرقامها حسب النشطاء في لندن فيربو عدد مظاهر التفاعل على الـ50 ألفا في عموم التراب الأوروبي جغرافيا من شرقه لغربه.
التفاعل على الأرض
استعراضا سريعا لصور الجموع الهادرة التي اخترقت شوارع وسط العواصم الغربية، كما في برلين في27 سبتمبر-أيلول الماضي، وقد فاقت المائة ألف مشارك، وكذا الحال في روما في الرابع من الشهر الجاري والتقدير ربع مليون متظاهر، وفي نفس اليوم مدريد، وتقدير المنظمين نصف مليون، واليوم التالي في العاصمة الهولندية في مسيرة الخط الأحمر (وهي الثالثة من نوعها) والأعداد تجاوزت ربع مليون.
التفاعل عبر الأسطول
ويجدر التوقف عند أسطول الصمود العالمي وامتداداته الأوروبية، إن بالمشاركة في التنظيم أو في إبحار المتضامينن الأوروبيين بالعشرات (والعديد منهم ليست المرة الأولى) عبر المتوسط نحو غزة في محاولة لكسر الحصار وإيصال المساعدات وبما يحفّ ذلك من مخاطر تصل إلى خطر الموت، وبالمقابل الإسناد للأسطول عبر الأراضي الأوروبية في جنبات القارة من قبل متضامنين آخرين.
التفاعل الرياضي
ثم نذكر في دولة أخرى ما هو نوعي وفي حقل الرياضة، حيث أقدم نادي أتلتيك بلباو الإسباني يوم الأحد الخامس من الشهر الجاري، من إعلان التضامن الرسمي مع فلسطين وأهل غزة، وذلك في الذكرى 125 لتأسيس النادي، واستضافة مجموعة من الفلسطينيين المقيمين في إقليم الباسك المحلي (محضن النادي)، وممثلين عن وكالة الأونروا.
التفاعل السياسي
لعل ما تقدم من تنامي واتساع واستمرار التضامن الشعبي مع فلسطين هو من العوامل المتقدمة التي أفرزت تخلخلا حقيقيا ونوعيا وجذريا أحيانا في المواقف السياسية للدول الأوروبية سواء بشكل جمعي اتحادي أو قُطري، وكذلك أوجه الاعترافات بالدولة الفلسطينية من قبل معظم الدول الأوروبية أو قُطري حاد.
العوامل المؤثرة
هناك عوامل عديدة أخرى على الصعيد القُطري لكل دولة على حدة، وأخرى قارية ودولية، ليس المجال لذكرها في تناولنا موضوع هذا المقال. ومن العوامل التي أدت إلى المرحلة الحالية من ذروة التفاعل الإيجابي مع القضية الفلسطينية؛ حجم وعِظم المجازر، وجرائم الإبادة الجماعية، ومتابعة الإعلام العالمي لهذا.
مستقبل التضامن
ولذا مطلوب وبشكل عاجل فلسطينيا ومن يتضامن مع فلسطين في البعد القومي والإسلامي والإنساني الأممي، أن يصار إلى خطة متكاملة للعمل على استدامة زخم التضامن. لا بد من الاعتراف بأن الوضع الفلسطيني الداخلي لا يبشر بخير في هذا المجال.
الخلاصة
لذا فإن هناك حاجة فلسطينية- من قبل كل النافذين: فصائل، ومؤسسات، ونخب- إلى العمل لتكوين جبهة عريضة لا تستثني أحدا، تتصدر المشهد القيادي الفلسطيني، وتشرع على الفور في محاولة معالجة كل المطلوب، ومن ذلك استثمار التضامن العالمي.

