أزمة المياه في البصرة: بين التحديات والتحديات المستقبلية
الوضع الراهن
تواجه محافظة البصرة وضعاً مائياً بالغ الخطورة مع دخول فصل الخريف، إذ تشير البيانات الرسمية إلى أن الحصة المائية الواصلـة إليها لا تتجاوز 30 متر³/ثا، وهو أدنى معدل يسجل منذ قرن كامل. ترافق ذلك مع ارتفاع مستويات الملوحة والتلوث في شط العرب نتيجة ضعف الإطلاقات المائية من دجلة والفرات، والتجاوزات الداخلية، وتحويل جزء من المياه لصالح مناطق أخرى وشركات النفط.
تأثير الأزمة على الحياة اليومية
تدهور جودة مياه الشرب، وازدادت الأمراض المرتبطة بالتلوث، وتضررت الزراعة ومصادر الرزق التقليدية. وتؤكد دراسات بحثية ومتابعات رقابية أن ما يجري في البصرة لا يُعد مجرد أزمة خدمية، بل خللاً هيكلياً في إدارة الموارد المائية الوطنية، يثير مخاطر اجتماعية واقتصادية متنامية.
ردود الأفعال الرسمية
قال مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في البصرة في بيان رسمي: "الواقع المزري لمحافظة البصرة يتمثل بارتفاع نسب الملوحة والتلوث مع دخول فصل الخريف، ومع أقل حصة مائية تصل إلى البصرة منذ 100 عام". وأضاف المكتب: "نطالب مجلس الوزراء بالانعقاد في البصرة وعدم تأخير ذلك لقرب الانتخابات، واتخاذ قرارات لحماية حصة البصرة المائية".
تاريخ الأزمات المائية في البصرة
أزمات المياه في البصرة ليست طارئة. ففي صيف عام 2018 شهدت المحافظة واحدة من أخطر الكوارث الصحية حين أصيب أكثر من 100 ألف مواطن بحالات تسمم معوي بسبب تلوث المياه. وتكررت الأزمات خلال أعوام 2021 و2023 مع ارتفاع الملوحة وتراجع الإطلاقات المائية.
تأثير الأزمة على الاستقرار الاجتماعي
الأزمة المائية انعكست بشكل مباشر على الاستقرار الاجتماعي. خلال الأيام الماضية قطع محتجون في قضاء الدير الطريق الرابط بين بغداد والبصرة احتجاجاً على نقص المياه، بينما خرجت اعتصامات في مناطق أخرى مطالبة بإنقاذ المحافظة.
الحلول والتحديات
يؤكد مختصون في الصحة العامة أن تدهور نوعية المياه في البصرة ساهم بارتفاع معدلات الإصابة بأمراض الكبد والجهاز الهضمي، إلى جانب تأثيرات مباشرة على النساء والأطفال. اقتصادياً، تسببت الأزمة بخسائر كبيرة في الزراعة وتربية المواشي والأسماك، كما دفعت آلاف العوائل للنزوح من الأهوار والقرى الزراعية نحو مراكز المدن.
الملف الدولي
لا تنفصل أزمة البصرة عن ملف المياه مع دول المنبع. إذ تواصل تركيا وإيران بناء السدود وتحويل مسارات الأنهر، ما أدى إلى تقليص الحصص المائية الواصلة للعراق. ويرى خبراء في القانون الدولي أن بغداد مطالبة بإعادة تفعيل اتفاقيات تقاسم المياه، واللجوء إلى الأطر الأممية لتثبيت حقوقها، فضلاً عن تحسين إدارة الموارد المائية داخلياً لمنع التجاوزات وسوء التوزيع.
الخلاصة
تحذير مكتب حقوق الإنسان في البصرة يمثل جرس إنذار واضح بأن المحافظة وصلت إلى مرحلة "النكبة المائية". إن بقاء الوضع على ما هو عليه لا يعني فقط استمرار المعاناة الخدمية، بل يهدد بتحولات اجتماعية وصحية واقتصادية واسعة، ويعيد إنتاج أزمات الاحتجاج وعدم الاستقرار.

