الإعلام خلال الفترات الانتخابية: تحديات وتحولات
دور الإعلام في الحملات الانتخابية
يشكّل الإعلام خلال الفترات الانتخابية خط الدفاع الأول أمام انزلاق المشهد السياسي نحو الاستقطاب والتزييف، لا سيما في بلدان تمرّ بمراحل انتقالية أو تعاني من هشاشة المؤسسات الديمقراطية. في العراق، حيث الدستور يكفل حرية التعبير وفي الوقت نفسه يضع ضوابط على التداخل الحزبي والإعلاني، يبرز تحدٍّ مركب: كيف يوازن الإعلام بين حقه التجاري والمالي وواجبه المهني؟
تحديات الإعلام في العراق
وفق التجارب السياسية الحديثة في المنطقة، فإن وسائل الإعلام التي تفقد الحيادية في الحملات الانتخابية غالبًا ما تفقد ثقة الجمهور وتغدو سلاحاً لمحاور السلطة، ما يؤدي إلى تراجع مكانتها المؤسسية على المدى الطويل. وفي العراق، حيث المناخ الأمني والسياسي ملتوٍ والتداخل بين المال السياسي والاعلامي واضح، فإن قدرة الفضائيات والمنصات على الحفاظ على الشرف المهني تصبح اختباراً حقيقياً لمصداقيتها.
الإعلانات الانتخابية المدفوعة
الإعلانات الانتخابية المدفوعة هي حق قانوني لأي وسيلة إعلامية في إطار عملها التجاري، وفق الجبوري، لكن المشكلة تنشأ عندما تتحول إلى أداة مروّج للتجميل السياسي بدلاً من التنوير. ويرى الجبوري أن الإعلام الحر "مسؤول أمام الرأي العام، وعليه أن يوازن بين حقه المشروع في الاستفادة المادية من الإعلانات وبين التزامه بالمعايير الأخلاقية والمهنية".
عواقب فقدان الموضوعية
الصحفي المخضرم فلاح المشعل يعارض هذا التمدد المالي المشبوه في الإعلام، قائلاً إن الفضائيات والمنصات الإعلامية "حين تروّج للسياسي الفاشل والفاسد والقاتل، سوف تفقد صفة الموضوعية والجمهور وأخلاق المهنة أيضاً". ورغم أن بعض الفضائيات ترى في بث الإعلانات المدفوعة فرصة للكسب، إلا أن المشعل يحذّر من أن تلك الممارسات إن توغلت ستغير قواعد اللعبة الإعلامية في العراق إلى جهاز تلميع لا مراقبة ولا نقد.
أزمة الإعلام في العراق
في سياق تقييم واقع الإعلام العراقي لا تقتصر المعضلة على انحياز الفضائيات أو تغطية الحملات الانتخابية بوجه دعائي، بل تمتد إلى أزمة بنيوية أعمق تتعلق بضعف المهنية وتفشي ظاهرة تسلق شخصيات ومؤسسات على صفة "الصحافة" دون امتلاك أدواتها أو أخلاقياتها.
حرية الصحافة في العراق
أشار رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي، إلى أن العراق لا يزال يسجل أعلى عدد من الصحفيين الشهداء عالمياً خلال الثلاثين عاماً الماضية، بواقع أكثر من 340 صحفياً من أصل 2660 صحفياً قتلوا عالمياً خلال الفترة ذاتها. ودعا الغراوي إلى تشريع قانون حق الحصول على المعلومة لضمان حرية الوصول إلى المعلومات وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد.
مستقبل الإعلام في العراق
يتضح من المعطيات أن الإعلام العراقي يقف اليوم عند مفترق حاسم بين أن يكون سلطة رابعة حقيقية أو مجرد أداة بيد السلطة والمال. فبينما تحاول بعض الفضائيات استثمار موسم الانتخابات لتحقيق مكاسب مالية على حساب المهنية والموضوعية، تكشف الوقائع أن جزءاً كبيراً من المؤسسات الإعلامية يعاني من تسلل غير المهنيين وتحوّل بعض المنصات إلى واجهات علاقات عامة لا تمت للصحافة بصلة.

