عندما نتلقى معلومة فى صورتها غير المكتملة، أو المنقوصة؛ فإنها حتمًا تساعد فى تكوين وجهة نظر غير سليمة، أو مشوبة، أو ما نطلق عليها النظرة الخطأ؛ لذا يتأتى الفهم المغلوط، أو الخطأ من بوابة النقص، الذى يعترى ما يعرض عليها من بيانات، أو معلومات، أو أخبار، أو صورة أحداث وفق تلوناتها، وهذا الأمر كثيرًا ما يحدث فى خضم ضعف اهتمام، وسعى حثيث من قبل الفرد، تجاه اكتمال ما يتعرض له، أو يعرض عليه من معرفة مبتورة، أو غير مكتملة؛ وكى نتغلب على تصويب الفهم الخطأ المرتبط بهذا المسبب يتوجب علينا ألا نصدر أحكامًا، أو حتى نكون رؤية، أو نقطع برأى حتى نتحصل على معارفنا، وما تشمله من معلومات فى صورتها التى تدل على تكامل المعني.
عمق التحليل مطلب رئيس يساعدنا فى تعزيز الفهم الصحيح لما يعرض علينا من قضايا، أو موضوعات؛ فهناك مفاهيم قد تكون متقاربة فى اللفظ؛ لكنها متغيرة فى المعنى، والمغزى، بل، قد يحكم ذلك السياق، الذى أتت فى خضمه؛ ومن ثم يتوجب أن نتثبت من تلك الأمور عند تناول ما يعرض على مسامعنا، أو ما تقرأه أعيننا؛ فنتمعن المعانى، ودلالتها فى السياق؛ لنستطيع أن نكون فهمًا صحيحًا، لا تشوبه شائبة، أو تتداخل التناقضات حوله؛ فنفسره على غير محمله المقصود، وبناءً على ذلك يستلزم أن نتحرى الماهية، التى تدل دلالة قاطعة على اللفظ، وأن نتجنب القياسات اللفظية، التى تتباين فى السياق؛ كى لا نقع فى محظور الفهم الخطأ.
هناك ما نسميه التعميم الزائد؛ حيث يقوم الإنسان منا بإعطاء صفة العمومية لأحكامه، أو آرائه، أو وجهات نظره فى جميع القضايا، والأحداث، حتى لو كان بينها تشابه، أو قواسم مشتركة، وهذا فى حد ذاته يوقعنا فى خطأ التعميم، أو ما نطلق عليه الفهم الخطأ، ويفسر ذلك بالتسرع مع نقص الخبرة، أو محدودية المعرفة، التى ترتبط قطعًا بتفاصيل كل قضية على حدة، وفرط التعميم فى هذا المقام يدل على صعوبة التمحيص من قبل الفرد، أي: أنه يتجاهل الغوص فى التفاصيل، التى بموجبها يكوّن فهمًا صحيحًا، يترتب عليه ممارسات سوية، ووجدانيات راقية؛ لذا ينبغى علينا أن نؤجل أحكامنا، ولا نسارع نحو واحة التعميم الزائد؛ كى ننجو من دائرة الوقوع فى الفهم الخطأ؛ ومن ثم نحصد عواقبه.
حينما نفقد المقدرة على التفسير، أو الاستنتاج، أو التفكر، أو التدبر فى قضية ما تشغل العقل، يجب أن نبذل جهدًا حميدًا تجاه التعرف على التفاصيل، التى تعيننا على أن نمارس مهارات التفكير العليا، التى نصل من خلالها إلى مستوى من الخبرة، التى تتضمن معرفة مكتملة صحيحة، وممارسات، ترتبط بها، ووجدان يُشْعر الإنسان منا بالراحة، والارتياح ويعزز آليات التركيز؛ لنستطيع أن نرى الجوانب المختلفة للقضية محل الاهتمام، بل، نغور فى الجوانب المظلمة؛ لنسلط عليها الضوء، ونخرج منها بدلالات تساعدنا فى تشكيل وجهة النظر السديدة، وهذا يؤكد لنا أن المعرفة، التى يعوزها التطبيق، لا جدوى منها؛ لذا ينبغى أن نبحث على تطبيقات وظيفية تعطى لها أهمية، ومعنى، وهذا أمر ليس بالمستحيل.
الرؤية غير المكتملة، بل تحتاج قطعًا إلى المزيد من المعلومات، التى تتكامل فيما بينها؛ كى تصبح قويمة، وتدفع بنا إلى صناعة، واتخاذ رأى سديد؛ ومن ثم ندرة، أو قلة، أو صعوبة توافر المعلومات تشكل حجر عثرة لنا، بل، قد تدفع البعض إلى تكوين مفاهيم غير ناضحة، أو مشوهة حيال قضية، أو مشكلة تواجهه؛ لذا كثيرًا ما يفقد السيطرة، أو التحكم فيما يتعلق بالممارسات، التى يؤديها، وهنا نؤكد على أن كل مجرد نتعرض له يستوجب أن نصل إلى معناه بمزيد من الإيضاح، الذى لن نصل إلى مساره بعيدًا عن معرفة فى نمطها، الذى يضفى المعنى المفقود؛ ومن ثم نعبر من البوابة الضبابية إلى ساحة الاستنارة الفكرية، التى تعيننا على أن نحقق غايات ننشدها فى شتى مجالات الحياة.
علينا أن ندرك طبيعة ما نؤديه من أعمال فى مناشط حياتنا المختلفة؛ فالأمر لا يقتصر على الجانب الملاحظ، أو الملموس، أو ما نسميه بالحصاد المادي؛ فهذا فهم خطأ ينبغى الانتباه إليه؛ حيث إن الطبيعة الإنسانية لا تطور من ممارسة، أو عمل فى صورته المتكاملة، وهنا نقصد به الجانب الخلقى، الذى تشبع بمعرفة تنير العقول؛ فهذا يخلق فرص العمل، ويحثنا، ويحفزنا على العطاء فى صورته المستدامة، ويشعرنا بالسعادة الغامرة حال تحقيق نتاج، تعود ثمرته على رفاهية البشر.. ودى ومحبتى لوطنى وللجميع.

