العراق بين الضغوط الدولية ومتطلبات الداخل: معضلة "آلية الزناد"
مقدمة
في الوقت الذي سارعت فيه أنقرة إلى إعلان التزامها بالعقوبات الأممية "Snapback" على طهران، بقي العراق دون موقف واضح. هذا التباين يكشف بوضوح الفارق في طريقة تعاطي الدول مع الالتزامات الدولية. تركيا، رغم علاقاتها المعقدة مع طهران، آثرت التماهي مع النظام الدولي لتجنب أي مواجهة محتملة مع مجلس الأمن أو مع القوى الغربية. بينما بغداد، التي تُعد الشريك التجاري الأكبر لإيران في المنطقة، لم تُقدّم حتى الآن أي خطة بديلة أو مسار انتقالي يعكس استعدادها للتعامل مع العقوبات الجديدة.
التأثيرات المحتملة
تشير تحليلات اقتصادية وقانونية إلى أن هذا التأخر يفتح الباب أمام مقاربات سلبية تجاه العراق. يمكن أن يُفهم على أنه تحدٍّ للشرعية الدولية أو محاولة للمماطلة في تنفيذ القرارات. وفق تقديرات بحثية مستقلة، فإن وضع العراق تحت أنظار مجلس الأمن سيعني رقابة أشد على تعاملاته المالية والتجارية، ما قد يعرّضه لضغوط مباشرة في وقت يعاني فيه أصلاً من هشاشة اقتصادية.
تفعيل "آلية الزناد"
تفعيل "آلية الزناد" المنصوص عليها في الاتفاق النووي لعام 2015 يعني إعادة فرض جميع العقوبات الأممية التي كانت قد رُفعت عن إيران بعد توقيع الاتفاق. هذه الآلية تعيد تلقائياً تفعيل ستة قرارات صادرة عن مجلس الأمن بين عامي 2006 و2010، والتي شملت قيوداً على البرنامج النووي الإيراني، وتجميد أصول شخصيات وكيانات مرتبطة به، فضلاً عن قيود مصرفية وتجارية مشددة.
التزامات العراق
وبموجب هذه الخطوة، لم تعد العقوبات أحادية الجانب كما في السابق، بل أصبحت ملزمة لـ193 دولة عضو في الأمم المتحدة. وفق قراءات قانونية، فإن ذلك يحوّل أي تعامل اقتصادي أو مالي مع إيران إلى مخالفة لقرارات مجلس الأمن، بما يعني أن جميع الدول، ومنها العراق، باتت مطالبة بوضع آليات واضحة للالتزام، وإلا عرّضت نفسها لاتهامات بعدم احترام النظام الدولي.
المخاطر الاقتصادية
ويحذّر خبراء اقتصاديون من أن استمرار العراق في الصمت سيضعه في خانة الدول غير الملتزمة بالقرارات الدولية. فالخبير الاقتصادي زياد الهاشمي أوضح أن "العراق لم يتحرك حتى الآن لتوضيح الآليات والخطط الزمنية لتنفيذ المقررات الأممية المفروضة على إيران، سواء بما يتعلق باستيراد الغاز أو التعامل التجاري أو المالي، وهذا ما قد يجعله تحت أنظار مجلس الأمن والمجتمع الدولي".
التأثير على الاقتصاد العراقي
تفيد بيانات ميدانية أن العراق خسر في سنوات سابقة آلاف الميغاواطات من الكهرباء عندما قلصت إيران الإمدادات بسبب متأخرات مالية، وهو ما أدى إلى احتجاجات واسعة في الشارع. هذه التجربة تجعل الحكومة العراقية مترددة في حسم موقفها، خشية أن يؤدي أي التزام فوري بالعقوبات إلى صدمة داخلية لا يمكن احتواؤها بسهولة.
الخيارات المتاحة
ما بين ضغوط النظام الدولي ومتطلبات الداخل، يجد العراق نفسه أمام اختبار لم يعد يحتمل التأجيل. فإما أن يعلن خطة واضحة تضمن التزامه بالمقررات الأممية مع البحث عن بدائل استراتيجية للطاقة والتجارة، أو أن يواجه خطر التصنيف كدولة غير ملتزمة، بما يحمله ذلك من احتمالات فرض عقوبات أو ضغوط إضافية.
الخلاصة
المؤكد أن لحظة "آلية الزناد" لم تعد شأناً إيرانياً بحتاً، بل باتت معضلة عراقية بامتياز، ستحدد مسار بغداد في المرحلة المقبلة ومقدار قدرتها على المناورة بين الضغوط المتعارضة.

