السودان في مواجهة "موت صامت"
في قلب السودان، وتحديداً أم درمان، العاصمة الوطنية كما يسميها أهلها، ما تزال آثار الحرب شاهدة على أنها "مرت من هنا". الأوجاع حاضرة، لكن هذه المرة ليست بالرصاص، بل بما يمكن وصفه بـ"موت صامت" يجوب الشوارع ويتسلل إلى البيوت.
البحث عن بصيص حياة
يواصل الناس بحثهم عن بصيص حياة وسط الركام، ويحاولون استعادة ولو جزء يسير من ماضيهم "المفقود"، لكن محاولات النهوض في أم درمان، وفي الخرطوم والخرطوم بحري بدرعة أقل، تصطدم بواقع قاسٍ عنوانه أوبئة متفشية تنهش أجساد المنهكين، ابتداءً بحمى الضنك، والكوليرا، وانتهاءً بالملاريا.
المواجهة المباشرة مع الخطر
المواطنون في مواجهة مباشرة مع الخطر، بينما المنظومة الصحية المثقلة بالنزوح والحرب تترنح، والمياه الراكدة تتحول إلى بؤر لنشر ما لا تتحمله الأجساد.
مأساة الأطفال والامهات
المأساة هنا لا تُقاس بعدد الإصابات فحسب، بل بوجوه الأطفال الشاحبة وأصوات الأمهات العاجزات أمام المرض. إنها معركة بقاء يومية في وطن أنهكته الصراعات. ورغم ذلك، تؤكد السلطات الصحية الاتحادية والولائية أنها تبذل أقصى ما بوسعها للسيطرة على الأوبئة ومكافحتها.
شهادات من पहलى الخط
"حرارتي ارتفعت، ثم صداع مؤلم في العينين وآلام حادة في العظام والمفاصل، حتى شعرت وكأن جسدي محطم." هكذا وصفَت نجلاء عبد الله، إحدى المصابات بالمرض في أم درمان، الأعراض التي بدأت معها.
تفشي حمى الضنك
بعد موجة الكوليرا التي ضربت عدداً من الولايات، جاء الدور على حمى الضنك، التي انتشرت سريعاً في العاصمة. هذا المرض، الذي ينقله البعوض ويستوطن المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، يسبب ارتفاعاً حاداً في درجة حرارة الجسم وأعراضاً شبيهة بالإنفلونزا. أما شكله الأشد، المعروف بـ"الحمى النزفية"، فيؤدي إلى نزيف وهبوط حاد في ضغط الدم قد ينتهي بالوفاة.
الأوضاع الصحية
وزارة الصحة نفت ارتفاع الوفيات، مؤكدة تسجيل 7 حالات وفاة و3 آلاف و500 إصابة مؤكدة بحمى الضنك في 5 ولايات، منها 74% في الخرطوم. وأكدت أن الأوضاع "تحت السيطرة" مع استمرار الحملات، موضحة أن المحاليل متوفرة، لكن الهلع والازدحام خلقا أزمة توزيع استدعت تدخل السلطات.
سيناريوهات محتملة
استشاري العناية المكثفة، الدكتور هيثم مكاوي، أوضح أن حمى الضنك تسير في مسار تصاعدي منذ 2019، حين سُجّلت 4 آلاف و133 حالة إصابة، توفى منهم 13 في كسلا وحدها تقريباً. وأشار إلى أن السودان اعتاد على تقاطع الأوبئة مع أزماته: الكوليرا مع الجفاف والمجاعة، والملاريا مع الفيضانات، واليوم هناك حالات عدوى مزدوجة يجتمع فيها الضنك والملاريا في جسد واحد.
حملة وطنية
من جانبه، أعلن اللواء قرشي حسين، مساعد مدير الدفاع المدني للطوارئ والكوارث، إطلاق حملة وطنية لأسبوع تستهدف جميع الولايات، خصوصاً الخرطوم وأم درمان، للقضاء على نواقل الأمراض. وأكد التنسيق مع وزارة الصحة، لكنه أقرّ بوجود تحديات أبرزها كثرة البرك المائية وضعف التوعية.
الوضع على الأرض
الصحفية شمائل النور وصفت الوضع في أم درمان بأنه "مرعب"، قائلة إن نصف المارة تقريباً يحملون "الكانولا" بأيديهم، في مشهد يكشف حجم التفشي. وتضيف أن المنازل بالكاد تخلو من إصابات، وأن الأرقام الرسمية لا تعكس الواقع؛ مؤكدة أنها تعرف 10 متوفين على المستوى الشخصي، بينما أعلنت الوزارة 4 وفيات فقط.

