المالية العامة في العراق: تحديات وفرص
مقدمة
تعيش المالية العامة في العراق مرحلة دقيقة تتقاطع فيها السياسات الحكومية مع التزامات متراكمة وضغوط اقتصادية متزايدة. هذا المشهد لم يعد مجرد قضية أرقام، بل تحوّل إلى اختبار للحوكمة الاقتصادية وقدرة الدولة على الموازنة بين الإنفاق التشغيلي والتمويل المستدام.
الوضع الراهن
تشير البيانات الرسمية إلى أن الدين الداخلي بلغ منتصف عام 2025 ما يقارب 87 تريليون دينار، فيما يلوح في الأفق مقترح إصدار سندات جديدة بقيمة 5 تريليونات دينار لصرف مستحقات المقاولين، ما قد يرفع الرقم إلى نحو 97 تريليون دينار. وفق قراءات قانونية، فإن أي توسع غير محسوب في الدين الداخلي يحتاج إلى ضوابط وتشريعات صارمة لتفادي تحوله إلى عبء طويل الأمد.
تحذيرات وتقييمات
الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي حذر من تصاعد الدين الداخلي بوتيرة مقلقة، مشيرًا إلى أن "المجلس الوزاري للاقتصاد أوصى بإصدار سندات بقيمة 5 تريليونات دينار لصرف مستحقات المقاولين التي تشير بعض المصادر إلى أنها تبلغ 7 تريليونات دينار، وهذه التوصية في حال موافقة الحكومة عليها فإنها سترفع الدين الداخلي إلى أكثر من 97 تريليون دينار". يؤكد المرسومي أن استمرار هذا النمط من التمويل من شأنه أن يضعف السلطة النقدية، ويرفع التضخم، ويقلص تمويل القطاع الخاص، كما يزيد عبء خدمة الدين الذي بلغ 9.3 تريليون دينار عام 2024.
قراءات نقدية
في خط موازٍ، قدّم الخبير الاقتصادي منار العبيدي تقييمًا نقديًا لسياسات اقتصادية أخرى يرى أنها أسهمت في تعميق العجز رغم الإيرادات النفطية الضخمة التي قاربت 300 مليار دولار بين 2022 و2024. يشير العبيدي إلى أن "قرار تخفيض سعر صرف الدينار من 1450 إلى 1310 للدولار زاد نفقات الدولة بنحو 40 تريليون دينار وأدى إلى تفاقم العجز المالي".
قراءة رسمية
المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، يقدّم قراءة رسمية أكثر اطمئنانًا. يؤكد صالح أن "نسبة الدين العام الخارجي والداخلي لا تتعدى 33% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مؤشر يجعل العراق ضمن التصنيف الائتماني العالمي المريح والقليل المخاطر".
التحديات والفرص
يتضح أن إصدار سندات جديدة لصرف مستحقات المقاولين ليس خيارًا ماليًا بسيطًا، بل قرار يتطلب توازنًا بين الوفاء بالالتزامات العاجلة وصيانة الاستقرار المالي طويل الأجل. الاستنتاج المنطقي أن الحكومة بحاجة إلى استراتيجية دين عام واضحة تجمع بين الانضباط المالي والتخطيط التنموي، حتى لا تتحول أدوات التمويل إلى قيود تكبّل اقتصادًا هشًّا بدلًا من أن تنقذه.
الخلاصة
يتعين على الحكومة أن تضع خططًا واضحة لتدبير الدين الداخلي وتحويله إلى استثمار منتج، بدلًا من أن يصبح عبءً على الاقتصاد العراقي. يتطلب الأمر استراتيجية شاملة تعتمد على الانضباط المالي والتنمية المستدامة، لضمان استقرار الاقتصاد وتحقيق نمو حقيقي.

