الشرق الأوسط في لحظة تحول
يقف الشرق الأوسط في لحظة إعادة تشكيل جذرية، مع تراجع الانخراط الأمريكي المباشر وبقاء النفوذ، وصعود أدوار إقليمية أكثر استقلالية من اتفاقيات دفاعية إلى مسارات تطبيع، وضغوط قصوى على إيران، واستقرار سوري جديد يتجه لترتيبات أمنية مختلفة. هذا التحول لا يرحم الفاعلين الذين يتعاملون بمنطق الأمس، حيث غياب إدراك قواعد اللعبة الجديدة يُفضي غالباً إلى قرارات مكلفة.
تهديد إسرائيلي للعراق
المؤشرات القادمة من تل أبيب تُعامل العراق كحلقة في شبكة صراع أوسع، لا كهوامش بعيدة. الباحث عباس الجبوري يضع الإطار التحذيري بدقة حين يقول إن تهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالقضاء على الفصائل المسلحة في العراق لا يمكن اعتباره مجرد تصريح عابر، بل هو مؤشر على وجود نوايا تصعيدية في المنطقة.
السيادة كاختبار قانوني-سياسي
الإشكال لم يعد عسكرياً فقط، بل قانونياً وسيادياً. الجبوري يوضح أن هذا التهديد يعد خرق واضح لسيادة العراق وتحدي سافر للقانون الدولي. يصرّح عضو تحالف الإطار التنسيقي عصام شاكر أن ملامح تفكك الجغرافيا السورية بدأت تلوح في الأفق، محذراً من أن الولايات المتحدة تقف بشكل مباشر خلف الضربات التي استهدفت البنى التحتية ومناطق نفوذ الدولة السورية.
مشروع "الشرق الأوسط الجديد"
التصعيد في سوريا أعاد قاموس التقسيم إلى الواجهة. شاكر يصرّح أن ملامح تفكك الجغرافيا السورية بدأت تلوح في الأفق، محذراً من أن الولايات المتحدة تقف بشكل مباشر خلف الضربات التي استهدفت البنى التحتية ومناطق نفوذ الدولة السورية. هذا المشروع ليس وليد اللحظة، بل هو مخطط تم تبنيه منذ أكثر من نصف قرن في عواصم كبرى، تتقدمها واشنطن.
انتهاء "الحصانة" الإيرانية
أعلنت تل أبيب سياسةً عسكرية جديدة عقب الضربة الجوية المعروفة بـ"الأسد الصاعد" على إيران. وجاء في تفصيلها: الحفاظ على التفوق الجوي، منع التقدم النووي الإيراني، منع إنتاج الصواريخ، والرد على دعم إيران لأنشطة تصفها بالإرهابية. النائب جواد اليساري يقول إن كل المعطيات تشير إلى أن العراق لن يكون بعيدًا عن مخططات إسرائيل تجاه المنطقة.
السؤال المركزي: متى تُدرك الفصائل
جوهر التقرير يتلخص في هذا السؤال: هل تُدرك الفصائل أن كُلف سوء القراءة اليوم أعلى بما لا يُقاس من الأمس؟ فإسرائيل تنقل رسائل ردع متحرك وتشمل العراق بوضوح في جغرافيا الاشتباه، وإيران تحت ضغط مركّب يحدّ من قدرتها على تغطية حلفائها وتوفير المظلّة الاستراتيجية التي طالما استندت إليها.
الخياران
اليوم يقف العراق بين طريقين: الأول، أن تُعيد الفصائل تعريف دورها ضمن مظلة الدولة، بقرار أمني موحّد، وبتحرك دبلوماسي نشط؛ فتُغلق أبواب الاستدراج وتُثبت السيادة بالقانون لا بالشعار. الثاني، أن يظل الإنكار سيد الموقف، فتتكرر أخطاء “عدم الإدراك” وتُفتح أبواب صراعات وحصار لا يتحملها بلدٌ أنهكته الحروب.

