كاش باتيل: بين الطموح الشخصي والصراع السياسي
مقدمة
أثارت الأحداث الأخيرة حول أداء مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) وقيادة كاش باتيل جدلاً واسعاً في واشنطن وخارجها. هذا الجدل بلغ ذروته بعد جلسة الاستماع التي خضع لها باتيل في الكونغرس، حيث وُجهت إليه اتهامات بالتقصير والتخبط في التعامل مع قضية مطلق النار على الناشط اليميني تشارلي كيرك. ظهر باتيل متوتراً في ردوده، مكرراً أن المكتب «قام بكل ما في وسعه ضمن الصلاحيات المتاحة» له.
مسار كاش باتيل الشخصي
لم يكن مسار كاش باتيل إلى رئاسة مكتب التحقيقات الفيدرالي تقليدياً. وُلد باتيل ونشأ في نيويورك عام 1980 لأسرة هندية غوجاراتية هاجرت إلى الولايات المتحدة بعد طردها من أوغندا في سبعينات القرن الماضي. نشأ باتيل في بيئة متوسطة الحال، حيث كان الوالد يعمل في متجر بسيط والأم تركز على رعاية أبنائها. كان باتيل دائماً يشعر بأنه يحتاج إلى إثبات ذاته في مجتمع ينظر أحياناً بعين الريبة إلى «الوجوه المختلفة». هذا الوعي المبكر بالهوية المزدوجة – هندية وأميركية – صاغ شخصيته لاحقاً وجعله يركز على مجالات يُظهر فيها انتماءه الكامل إلى الدولة الأميركية.
تعليم باتيل وأولى خطواته المهنية
التحق باتيل بجامعة ريتشموند حيث درس العلوم السياسية، وكان من الطلاب النشطين في الأنشطة الطلابية ذات الطابع السياسي. بعدها انتقل إلى كلية الحقوق في جامعة بابسون، حيث حصل على شهادة الدكتوراه في القانون. لم يكتف بذلك، بل أضاف درجة ماجستير في القانون الدولي، وهو ما أعطاه أدوات لفهم أوسع للعلاقات بين التشريعات المحلية والقانون العالمي. بدأ باتيل مسيرته المهنية داخل وزارة العدل كمُدّعي فيدرالي، وعمل على ملفات الإرهاب والجريمة المنظمة.
باتيل والصراع السياسي
اسم باتيل برز حقاً عندما التحق بلجنة الاستخبارات في مجلس النواب، حيث أصبح أحد أقرب المستشارين للنائب الجمهوري اليميني ديفن نونيز. من هناك، وجد نفسه في قلب الصراع المحتدم بين البيت الأبيض وأجهزة الاستخبارات، خاصة فيما يتعلق بالتحقيقات حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2016. تقارير عدة وصفت باتيل بأنه «المهندس الفعلي» لمذكرة نونيز الشهيرة التي اتهمت مكتب التحقيقات الفيدرالي بالتحيز ضد ترمب.
تعيين باتيل لرئاسة مكتب التحقيقات الفيدرالي
تعيين باتيل لرئاسة مكتب التحقيقات الفيدرالي خلال الولاية الثانية لترمب كان خطوة غير مسبوقة؛ إذ لم يسبق أن تولى هذا المنصب شخص بخلفية سياسية حزبية واضحة إلى هذا الحد. ورغم أن البيت الأبيض برر التعيين بأنه «جزء من إصلاح شامل للمكتب»، اعتبر مراقبون أن الغرض الحقيقي كان وضع شخص موالٍ في موقع حساس، قادر على إعادة توجيه بوصلة التحقيقات الفيدرالية.
جدل حول أداء باتيل
منذ اليوم الأول لتوليه المنصب، أظهر باتيل ميلاً لأسلوب إدارة غير تقليدي. فهو أكثر حضوراً على وسائل التواصل الاجتماعي من أي مدير سابق للـ«إف بي آي»، ولا يتردد في الرد المباشر على منتقديه. لكن هذا الحضور أصبح سيفاً ذا حدين، خصوصاً بعد حادثة تشارلي كيرك؛ إذ أعلن باتيل، عبر منصة «إكس»، أنه تم القبض على المشتبه به في اغتيال كيرك، قبل أن يتبين لاحقاً أن الشخص أُطلق سراحه بعد استجواب قصير.
أزمة ثقة باتيل
الأزمة لم تتوقف عند هذا الحد. فبعد أسابيع قليلة، ظهرت دعوى قضائية فيدرالية رفعها ثلاثة من كبار مسؤولي المكتب السابقين، تتهم باتيل بتنفيذ «عملية تطهير سياسي» داخل الوكالة بإيعاز من البيت الأبيض. ووفقاً لوثائق الدعوى، سُئل أحد المسؤولين السابقين أسئلة مباشرة عن توجهاته السياسية، مثل: «لمن صوّت في الانتخابات الخمس الماضية؟»، و«هل يدعم محاسبة عملاء (إف بي آي) الذين اقتحموا منتجع مار إيه لاغو؟». رفض المسؤول الاستجابة لهذه الأسئلة أو تنفيذ أوامر بإقالة عدد من العملاء، وهو ما أدى في النهاية إلى فصله.
مستقبل باتيل
في خضم هذه العواصف، برزت انتقادات حتى من داخل المعسكر المحافظ. لورا إنغراهام، مقدمة البرامج في قناة «فوكس نيوز»، وصفت الطريقة التي تعامل بها باتيل مع قضية كيرك بأنها «هاوية مهنية». هذه المواقف تكشف عن أن الدعم لباتيل ليس شاملاً حتى بين حلفاء ترمب. في المقابل، وجد باتيل سنداً من شخصيات نافذة في الحزب الجمهوري مثل جيم جوردان، رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب.
الخلاصة
يعكس صعود كاش باتيل إلى رئاسة مكتب التحقيقات الفيدرالي لحظة أميركية معقدة: جهاز أمني بحجم الـ«إف بي آي»، لطالما كان رمزاً للحياد المؤسسي، يجد نفسه فجأة جزءاً من حرب سياسية مفتوحة. وباتيل، الذي بدأ مسيرته ابن مهاجرين يسعى وراء الحلم الأميركي، أصبح رمزاً آخر للاستقطاب العميق الذي يمزق واشنطن. وبين طموحه الشخصي ورغبة البيت الأبيض في السيطرة، وبين أخطائه المتكررة وضغوط الكونغرس والإعلام، يبدو أن مستقبل الرجل والجهاز الذي يقوده بات معلقاً بخيط رفيع.

