مواليد حديقة الحيوان: تحليل روايات أشرف العشماوي
مقدمة
يضم كتاب «مواليد حديقة الحيوان» ثلاث روايات قصيرة، لكل منها حكايتها وحبكتها المُستقلة، إلا أن الروائي المصري أشرف العشماوي يضع أمام قارئه علامات رئيسية تعمل كخيوط سِرية تربط هذه العوالم الروائية ببعضها بعضاً؛ ما يجعلها تتجاوب كأصداء نص واحد، تتناثر حكايته وتتآلف في الوقت نفسه.
رواية كابينة لا ترى البحر
تنقسم روايات الكتاب إلى: «كابينة لا ترى البحر»، و«مزرعة الخنازير»، و«مواليد حديقة الحيوان». ثلاثية روائية تتردد فيها أسئلة الهُوية والذات المنكسرة في مواجهة سُلطة أكبر تتجاوزها، وتموج هذه العوالم بطاقة سردية بصرية تجعل القارئ في تماسٍ مع مآزق أبطالها، بتفاصيلهم وهشاشتهم، لكن في اللحظة نفسها فإن هؤلاء الأبطال يُطلّون على ذواتهم كظِلال؛ إذ يتم تسكينهم داخل قوالب أو «أقفاص» مُحكمة الغلق، على غرار ما يحدث في حديقة الحيوان، ليكونوا موضع تندّر وسخرية أو حتى تغافُل من يشاهدهم من الخارج.
مُراوغة القدر في رواية مزرعة الخنازير
أما رواية «مزرعة الخنازير» فتبدو أكثر روايات الكتاب تكثيفاً لفكرة مُراوغة القدر؛ إذ تقود المفارقات العبثية بطلها، فايز حنّا، من مُربي خنازير «قبطي» إلى تزوير هُويته ليصبح أحد أقطاب تجارة اللحوم المستوردة باسم «الشيخ فايز عبد النبي»، وذلك بعدما يتحول دُميةً في يد محاميه، الذي يُقنعه بأن السبيل الوحيد لنجاته من مطاردة الجماعات الدينية المتشددة التي لاحقت أصحاب مزارع الخنازير الأقباط، هو أن يموت رسمياً على الورق ويُبعث في «حياة جديدة» بهُوية مختلفة.
مواليد حديقة الحيوان: تحليل الرواية الثالثة
ويبلغ «التنكّر» ذروته الفانتازية في الرواية الأخيرة بالكتاب «مواليد حديقة الحيوان»، حيث تدفع المفارقة بالبطل إسماعيل وحبيبته إلى المكوث خلف أسوار «بيت الأسد»، ليغدو القفص رمزاً لأحلام زوجية مُجهضة، فيتشبّث البطل «إسماعيل» بحكاية «بطولية» ظلّ يرددها عن أن والده «حارس الحديقة» صارع ذات يوم أسداً، غير أن تلك الحكاية لا يصدّقها أحد سواه.
كلمات متقاطعة: الرمزية في الروايات
تلوح بين سطور الروايات الثلاث صور بصرية مستوحاة من قاموس عالم الحيوان، يتم إسقاطها على حيوات البشر وتعرجات مصائرهم، فمُحرِك السيارة «يزأر»، والبطل يحلم بكابوس وهو في حلقة «الضِباع»، وتتراءى للبطل لحظة الخنوع كمَثل «خنزير يأكل أي شئ يُقدّم له يأكله ولو كان قمامة»، ولحظة العبور العسيرة تجد صورتها في «قطة ترفع قدماً وتتراجع بأخرى»، بينما تصير النظرة المُتوعِدة كتلك التي «تسبق افتراس الأسد للحمار».
الخلاصة
تُظهر روايات أشرف العشماوي في كتاب «مواليد حديقة الحيوان» كيفية تقاطع الحكايات التي تنهل من الواقع مع مفارقات عبثية يُغذيها الاستغلال والعوّز، فتغدو مصائر الأفراد مرهونة بانتظار الاكتمال كما «الكلمات المتقاطعة»؛ تلك اللعبة التقليدية التي تظهر في الروايات الثلاث في سياقات مختلفة لتنفتح على معنى ناقص.

