تجويع سكان قطاع غزة بين الجريمة الإسرائيلية والمسؤولية الدولية
في ضوء الأحداث الجارية في قطاع غزة، حيث يواجه السكان هناك تحديات كبيرة نتيجة لأزمة التجويع والحصار، يبرز السؤال حول دور القانون الدولي في مواجهة هذه التحديات. تظهر إسرائيل أسوأ ما لديها عبر استخدام سلاح التجويع ضد المدنيين في قطاع غزة، على مرأى من العالم كله وبأبشع الأشكال، وتتم هندسته بشكل منظم ومبرمج وباستخدام الذكاء الاصطناعي، في جريمة مكتملة الأركان.
فجوة عميقة
أستاذ القانون الدولي الدكتور محمد الموسى، أشار إلى أن التجويع المنهجي لسكان غزة قد يرقى إلى جريمة حرب محظورة بموجب اتفاقيات جنيف، وقد يصل في بعض الحالات إلى جريمة ضد الإنسانية أو حتى إبادة جماعية إذا تبين وجود نية تدميرية موجهة. وأضاف الموسى "الترسانة القانونية الدولية ثرية بالنصوص، من اتفاقيات جنيف ومبادئ إرشادية مثل مبادئ سان ريمو إلى نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، لكن ما يجري في غزة يبرهن على أن هناك فجوة بين النص المثالي للقانون الدولي، والقانون الدولي المادي الذي يخضع لميزان القوى والمصالح السياسية".
غياب الإرادة
من جانبه، قال المحامي والأستاذ الجامعي في القانون الدستوري عادل يمين إن "الوضع الإنساني في غزة يعتبر من أخطر الأزمات الإنسانية المعاصرة، حيث يشهد السكان المدنيون ظروفا قاهرة وقاسية ومؤلمة نتيجة الحصار، ونتيجة التقتيل ومحاولات الإبادة الواضحة، والتجويع ومنع إدخال المواد الحيوية، والقيود على الإمدادات الأساسية، والحرمان المتكرر من الغذاء والماء والدواء". وأكد يمين أن الحصار والتجويع جريمة حرب موصوفة بنصوص صريحة، مشيرا إلى أن المحكمة الجنائية الدولية مختصة بملاحقة المسؤولين الإسرائيليين، حتى لو لم تكن إسرائيل طرفا في نظام روما.
ضغوط سياسية
بدورها، ترى أستاذة القانون الدولي والعام والخاص في الجامعة اللبنانية أحلام بيضون أن استهداف المدنيين عند مراكز توزيع المساعدات لا يشكل فقط جريمة حرب، بل يرتقي إلى جريمة ضد الإنسانية. وأضافت هذه ليست فقط جريمة قتل لطالبي المساعدات بل عملية ممنهجة تهدف إلى بث الرعب في قلوب المدنيين، ونشر المجاعة، والتخلص من العنصر البشري إما بتصفيته أو بدفعه إلى النزوح، مؤكدة أن ما يجري أمام مراكز المساعدات سلسلة جرائم بداية من العقاب الجماعي إلى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، مرورا بالإبادة الجماعية وتصفية العرق.
مسؤولية دولية
وفي مداخلة ختامية، شددت أستاذة القانون والعلوم السياسية أليسار فرحات على أن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية حماية المدنيين في غزة ومنع الإبادة بالتجويع بموجب مبدأ "مسؤولية الحماية"، إلا أن آلية الفيتو الأميركي في مجلس الأمن تحول إلى أداة لتعطيل أي تحرك فعال. ودعت إلى تفعيل آلية "الاتحاد من أجل السلم" في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وممارسة ضغط شعبي ودبلوماسي لإدخال المساعدات بشكل مستدام، معتبرة أن الاستمرار في الاكتفاء بالنصوص يزيد من تكريس فشل المؤسسات الأممية.

