يعد تلاحم الشعوب مع دولها الركيزة الأساسيةً لأي نهضة حقيقية، فحين يمتلك الشعب إرادة الصمود والعمل، وتتحلى الدولة برؤية واضحة، وقيادة حكيمة، وإدارة رشيدة، تتضاعف القدرة على مواجهة التحديات وتجاوزها، مهما بلغت حدتها أو تنوعت أسبابها، وتشمل هذه التحديات أزمات اقتصادية وسياسية وجيوسياسية معقدة، تتشابك فيها العوامل الداخلية مع الضغوط الخارجية، مما يجعل الاصطفاف الوطني صمام أمانٍ حقيقي للسيادة والاستقرار، ومحركًا رئيسيًا للإنتاج والتنمية المستدامة.
وتقوم العلاقة العضوية بين الدولة وشعوبها على عقدٍ اجتماعي وأخلاقي يضمن الحقوق ويحدد الواجبات، ويرسخ مفهوم المواطنة الواعية والمسؤولة، ويتجلى هذا التفاعل في الحياة اليومية عبر المشاركة السياسية، واحترام القوانين، والإسهام في مسارات الإصلاح والبناء، لكنه يكتسب بعدًا أشد عمقًا في أوقات الأزمات، حيث يصبح الاصطفاف والتكاتف الشعبي واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا، ففي اللحظات المفصلية، يدرك المواطن أن قوته من قوة دولته، وأن استقرارها وأمنها هو الضمان الحقيقي لحياته ومستقبله ومستقبل أبنائه، وهكذا يتحول التلاحم الوطني من قيمة معنوية إلى قوة عملية فاعلة، تسهم في تحصين الوطن وتدفع به نحو آفاق أرحب من التنمية المستدامة والنهضة الشاملة.
ولقد شهد التاريخ الحديث شواهد تؤكد أن الشعوب التي تصطف خلف دولها في أوقات الأزمات قادرة على عبورها والخروج منها أكثر صلابةً وقوة وإشراقًا، وتمثل الحالة المصرية نموذجًا متميزًا لهذا الاصطفاف الوطني الواعي؛ حيث واصل الشعب المصري في السنوات الأخيرة تحمل تبعات التحولات الاقتصادية والإصلاحات البنيوية العميقة، إيمانًا منه بأن الصبر والعمل طريقان لا غنى عنهما لبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
ويكشف هذا السلوك الجمعي عن إدراك عميق لدى المواطن المصري بأن أي انحراف عن هذا المسار يهدد أمن الدولة وسيادتها، وأن الأمن والسيادة يشكلان شرطًا لازمًا لأي حديث عن التنمية أو النهضة المستدامة، فالاثنان متلازمان ومتصلان بمدى تماسك الجبهة الداخلية، وبقدرة الدولة على تعبئة مواردها الشعبية، وتعزيز روح التضامن والمسؤولية المشتركة لمواجهة التحديات، ويعد هذا التلاحم بنية وعي وطني تتجدد كلما استشعرت الأمة خطورة الموقف أو أهمية المرحلة، ومن ثم يصبح الاصطفاف الشعبي سندًا استراتيجيًا للسياسات العامة، وقوة دافعة لتعزيز مكانة الدولة وحماية مكتسباتها، وتحويل الأزمات إلى فرص للنهوض، بما يضمن استمرار مسار التنمية والاستقرار.
وتتضح هذه الحقيقة في الإجراءات والسياسات المتوازنة التي تتبناها الدولة المصرية؛ إذ تعمل على تعزيز قدراتها الدفاعية والأمنية من جهة، وتنفيذ مشاريع كبرى في البنية التحتية والتنمية الاقتصادية من جهة أخرى، في مسار متكامل يهدف إلى حماية الأمن الوطني وتحصين مقومات الاستقرار، ويقابل هذا الجهد المؤسسي وعي شعبي متنام بأهمية الاصطفاف خلف الدولة ومؤسساتها، انطلاقًا من إدراك راسخ بأن أي خلل في الجبهة الداخلية ينعكس مباشرة على الأمن القومي، ويفتح ثغرات لتدخلات خارجية أو محاولات للنيل من السيادة الوطنية، وهكذا تتعزز معادلة القوة الشاملة للدولة المصرية عبر تلاقي إرادة القيادة مع وعي الشعب، في نموذجٍ متكامل يربط بين الأمن والتنمية، ويجعل من تماسك الجبهة الداخلية حصنًا منيعًا أمام التحديات، ودعامةً رئيسية لمسار النهضة المستدامة.
ويكتسب الاصطفاف الوطني في أوقات التحول والأزمات بعدًا أعمق حين يُقرأ في إطار المواطنة المسؤولة؛ فهو ممارسة واعية للحقوق والواجبات، تقوم على إدراك الفرد لدوره في حماية الدولة وصون مكتسباتها، فالمواطن المسؤول يشارك في صياغة مستقبل بلاده بالالتزام بالقوانين، والمساهمة في التنمية، والتفاعل البناء مع السياسات العامة، ليصبح شريكًا حقيقيًا في صنع القرار الوطني ودعم الاستقرار الداخلي.
وتشكل المشاركة المجتمعية الوجه العملي، حيث تتحول من نشاط طوعي محدود إلى ثقافة عامة ومؤسسية، تتيح للأفراد والجماعات الإسهام في المبادرات التنموية، ودعم خطط الإصلاح، وتعزيز شبكات التضامن المجتمعي، وفي ظل هذا الإدراك الجمعي يصبح الاصطفاف الوطني قوة بناءة تحمي الدولة في أوقات الأزمات، ويغدو المواطن شريكًا أصيلًا في معادلة الأمن والتنمية والسيادة.
وتواجه معظم دول المنطقة، ومن بينها مصر تحديات اقتصادية مركبة وتداعيات أزمات إقليمية وتحولات في المناخ الجيوسياسي والاقتصادي العالمي، وفي هذا السياق تبنت الدولة المصرية حزمة إصلاحات هيكلية شاملة، تهدف إلى معالجة الاختلالات الاقتصادية، وتعزيز بيئة الاستثمار، وزيادة الإنتاج المحلي، ورغم ما أحدثته هذه الإصلاحات من أثر مباشر على المواطن، فإن الوعي الجمعي المصري أدرك أن تحمل الأعباء هو استثمار في مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا، ويظهر هذا الإدراك في استمرار مشاركة المواطنين في المبادرات الوطنية الكبرى، سواء من خلال الانخراط في المشروعات القومية، أو دعم الصناعات المحلية، أو التوسع في مشاريع البنية التحتية التي تشكل العمود الفقري للتنمية.
ويعد العمل المنتج القاسم المشترك بين جميع تجارب النهضة في العالم؛ فلا يمكن لأي دولة أن تحقق تنمية حقيقية دون أن يتحول شعبها إلى قوة عمل فعالة تتمتع بالكفاءة والانضباط والإبداع، وانطلاقًا من هذا المبدأ حرصت الدولة المصرية على إطلاق برامج للتدريب المهني، وتحفيز ريادة الأعمال، وتشجيع الشباب على الابتكار والمشاركة في بناء الاقتصاد الوطني، ويكتمل هذا المسار حين يستشعر المواطن مسؤوليته الفردية والجماعية، فيسهم في زيادة الإنتاجية، ويحافظ على الموارد العامة، ويضع نصب عينيه أن كل جهد يبذله هو لبنة في بناء وطنه، وهكذا تتحول ثقافة العمل من مجرد وسيلة للرزق إلى رسالة وطنية وأخلاقية، تسهم في تحقيق النهضة الشاملة وترسيخ السيادة وتعزيز مسار الاستدامة.
وتتطلب المرحلة المقبلة من الدولة توسيع قنوات الحوار الوطني والتواصل المباشر مع المواطنين، لضمان فهم السياسات العامة وتوضيح أهدافها ونتائجها على نحو شفاف، بما يعزز الثقة المتبادلة ويقوي الروابط بين الدولة والمجتمع، كما تتطلب مواصلة الشعب أداء دوره كمشارك فاعل في مسيرة التنمية والإصلاح، إدراكًا بأن التقدم لا يتحقق إلا بالشراكة الحقيقية بين القيادة والمواطنين؛ لذا فالرؤية الوطنية المصرية تقوم على تحقيق هذا التوازن الحيوي، فالدولة حامية وراعية للحقوق، وفي الوقت ذاته ممكنة ومحفزة للإبداع والمبادرة الفردية.
ونؤكد أن الحديث عن شعب صامد ودولة قوية يعد معادلة استراتيجية تمثل مفتاح عبور مصر إلى المستقبل، فالصمود الشعبي يمد الدولة بشرعية العمل والإصلاح، وقوة الدولة توفر للشعب بيئة آمنة ومستقرة للإنتاج والابتكار، ومن خلال هذا التلاحم الوثيق يتحقق الأمن الشامل، وتصان السيادة الوطنية، وتبنى تنمية مستدامة تضع الإنسان في مركزها، فيصبح الطريق إلى النهضة ممهدًا ومثمرًا حيث يتقاسم الشعب والدولة الأعباء والآمال، ويحولان التحديات إلى فرص للنهوض، وهكذا تظل مصر نموذجًا لدولة تدرك أن قوتها الحقيقية تكمن في شعبها، وشعب يعرف قيمة وطنه، فيتقدم الطرفان معًا نحو مستقبل آمن، وسيادة راسخة، وتنمية شاملة مستدامة تجسد طموحات الحاضر وآمال الأجيال القادمة.

