رحلة الموضة: بين نيويورك ولندن
في كل موسم، تأتي أسابيع الموضة العالمية لتعيد صياغة لغة الأزياء وتفتح لنا نوافذ جديدة على المستقبل. وفي هذا الشهر، كان الموعد مع أسبوع نيويورك للموضة متبوعاً بأسبوع لندن للموضة، أسبوعان مختلفان في الروح، متكاملان في الجوهر، جمعا بين الرؤية الفنية والجرأة في الطرح، وبين الحنين إلى الكلاسيكيات والاندفاع نحو المستقبل.
لم يكن شهر سبتمبر 2025 مجرد محطة في تقويم الموضة العالمي، بل شكل رحلة ملهمة بين نيويورك ولندن، حيث اجتمع الإبداع مع الجرأة، والتقاليد مع الابتكار.
نيويورك: الأناقة في قلب المدينة الصاخبة
في نيويورك، المدينة التي لا تنام، حملت العروض التي امتدت بين 11 إلى 16 سبتمبر 2025 طابعاً متنوعاً يعكس شخصية هذه العاصمة الصاخبة. فقدّم مايكل كورس مجموعة أنيقة برز فيها التوازن بين البساطة والترف، مع أزياء تفيض بالأنوثة العملية التي تناسب إيقاع الحياة العصرية. أما توم فورد، فجاء عرضه أكثر جرأة، حيث لعب على التناقض بين الأقمشة الفاخرة والقصات المتمردة، ليؤكد أن نيويورك ما زالت المنصة التي تختبر حدود الأناقة بلا خوف.
هيمنة اللون الأحمر كانت لافتة في عروض نيويورك، حيث جاء في فساتين درامية وقصات جريئة، ما أعطى طابعًا من القوة والثقة للمرأة. ومن ناحية الجمال، فقد برزت صيحات مثل العيون البنية الكلاسيكية وأحمر الشفاه الجريء، لتؤكد أن الموضة والجمال يسيران هذا الموسم جنبًا إلى جنب.
لندن: حيث تلتقي الكلاسيكية بالحداثة
ثم جاءت لندن، بروحها غير القابلة للترويض، لتؤكد من جديد أنها مختبر للإبداع والابتكار. فبعد أيام قليلة فقط، انتقلت الأنظار إلى العاصمة البريطانية حيث أقيم أسبوع الموضة في لندن من 18 إلى 22 سبتمبر 2025، من تنظيم مجلس الموضة البريطاني (BFC).
ما يميز أسبوع لندن هو قربه من الجمهور، حيث لم تقتصر الفعاليات على عروض النخبة، بل امتدت إلى متاجر مؤقتة وتجارب تفاعلية منحت الزوار فرصة اختبار الموضة بشكل شخصي وملموس. هذا البعد التفاعلي جعل من لندن عاصمة لا تكتفي بالعرض، بل تشارك جمهورها صناعة الحلم.
الاتجاهات البارزة لموسم ربيع وصيف 2026
بعيدًا عن العروض والأسماء، يمكن القول إن هذا الموسم قدم خريطة واضحة لاتجاهات الموضة المقبلة:
الألوان: إلى جانب هيمنة الأحمر، برزت ألوان الباستيل الهادئة مثل الأزرق السماوي والوردي الترابي، لتوازن بين الرقة والجرأة.
الأقمشة: ظهرت الأقمشة الشفافة والخفيفة مثل الأورغانزا والشيفون بقوة، إلى جانب أقمشة صديقة للبيئة كالقطن العضوي والحرير المعاد تدويره.
القصات: الخطوط غير المتناظرة كانت من أبرز الملامح، إضافة إلى الكتف الواحد والطبقات المتعددة التي أضفت ديناميكية على الإطلالات.
الإكسسوارات: الحقائب الصغيرة جدًا (Mini bags) والقبعات العريضة عادت بقوة، بينما سيطرت المجوهرات البارزة كبيرة الحجم على العديد من العروض.
الأحذية: الصنادل المسطحة ذات التفاصيل المعدنية والأحذية ذات الكعب النحتّي كانت حاضرة في كل من نيويورك ولندن.
الجمال: إلى جانب المكياج الجريء، لاحظنا عودة تسريحات الشعر الطبيعية والمجعدة، ما يعكس توجهًا عالميًا نحو الاحتفاء بالهوية الشخصية.
ما بين نيويورك ولندن، بدا واضحًا أن الموضة اليوم لم تعد مجرد أزياء موسمية، بل لغة عالمية تطرح قضايا مثل الاستدامة، تمكين المصممين الصاعدين، ودمج الجمهور في قلب التجربة. وبرأيي، فإن ما يجعل هذا الموسم مميزًا هو التوازن بين الأسماء العريقة والمواهب الناشئة، بين الكلاسيكية والتجريب، وبين الأزياء والجمال كمنظومة متكاملة.
شخصياً، ما شدّني في أسبوع نيويورك هو جرأة المصممين على إعادة تعريف الأناقة العصرية؛ بينما في لندن، كان الإبهار حاضراً في التفاصيل الصغيرة التي تحوّل القطعة من مجرد ثوب إلى عمل فني نابض بالخيال. وبين الحدثين، شعرت أن الموضة اليوم لم تعد مجرد صناعة للملابس، بل أصبحت خطاباً ثقافياً وفنياً يروي قصص المدن، ويفتح آفاقاً جديدة للتعبير عن الذات.
وبينما يستعد العالم لأسابيع الموضة القادمة في ميلانو وباريس، يبقى صدى نيويورك ولندن حاضراً، يذكّرنا أن الموضة ليست فقط ما نرتديه، بل ما نعيشه ونحلم به ونحمله كجزء من هويتنا.

