وجوه النقد الأدبي
مقدمة
تجذبنا القصص التي تجعلنا نريد أن نقرأ الجملة تلو الأخرى، دون معايير أخرى. هذا هو التلذذ الجارف بالسرد، الذي يخطفنا من واقعنا الراهن إلى وجود مختلف له زمنه الخاص. يمكننا قراءة الكتب الممتعة في أي جو، دون حاجة إلى جو مثالي. الكاتب هو من يصنع للقارئ الجو المثالي في السعادة أو التعاسة.
هاجس إبقاء الاتصال مع القارئ
يُقال عن الناشر الراحل رياض الريس إنه كان يرفع شعاراً على كل كتاب ينشره: "نصف ما يُطبع من الكتب لا يُشترى، ونصف ما يُشترى لا يُقرأ، ونصف ما يُقرأ لا يُفهم". يمتلك أدباؤنا هاجس إبقاء ديمومة الاتصال مع القارئ، وخلق الآصرة التي لا تفتر وتتراخى منذ الصفحة الأولى في الكتاب، حتى الأخيرة.
القاص والفيلسوف
ليس القاص فيلسوفاً، فغرضه الأول والأخير هو تشييد عمله الفني الذي يكشف جزءاً مجهولاً من الوجود. الأهم في الأمر هو أن يكون العمل الأدبي غير شخصي، ويقوم به الكاتب بشكل منظّم ومتأنٍّ وهادئ.
التأليف الأدبي والإبداع الفني
لو فكّرنا بطبيعة التأليف الأدبي – والإبداع الفنّي بصورة عامة – على أنه ليس عملاً ذهنياً أو عضليّاً يقوم به الفنّان، وإنما هو جزء من ذاته سوف تظهر للعيان. بعبارة أقصر هو صفة للفنّان، وعمل الناقد هو تمثّلها وتوقيرها بالطريقة الملائمة.
شروط النقد
هناك شروط يجب توفرها فيمن يقوم بدراسة الأدب وتقييمه وتهذيبه:
- العمر: لا تكتمل عدة النقد قبل العقد الخامس أو السادس.
- الشخصية: هناك قصص عجيبة وغريبة عن شعراء صعاليك وكتّاب قصة يتيهون في الشوارع والدروب، وهذا الأمر لا يصحّ مطلقاً مع شخص الناقد في بحور الأدب.
- الثقافة: أقلّ ما يمكن عمله في سبيل النبوغ في هذا المجال هو أن يعطي الدارس ثلثي عمره للاطلاع عن كثب على مختلف صنوف المعرفة والأدب والفن.
- الذوق الفني: قراءة كتب الأدب من دون تربية متواصلة للذوق تشبه ما يقوم به السجناء في أعمالهم الشاقة.
- الموهبة: وهي الشرط الأهم والأساس الذي لا يمكن في حالة غيابه توفر مادة الإبداع في النقد.
- الشرط السادس والأخير يخصّ أساتذة الجامعة فقط. في سبيل أن يكونوا فنانين في حقل النقد، يجب أن يخلعوا بدلاتهم التي تتشابه في اللون والنسيج والقيافة، ويرتدوا بدلاً عنها ثوب الإبداع.
النقد والذائقة
النقد لا يلعب بالنرد، إنما هو موهبة مثل ملكة الرسم والغناء والتمثيل وقول الشعر. لا يستطيع الطائر من غير فصيلة البلابل التغريد مثلهم، وإن نحن أقرأناه ألف سمفونية وألف ألف قصيدة وأغنية ونشيد.
النقد والشعر
النوع الأخطر من النقد هو الذي يُريد أن يثبت نفسه في إلغاء أو إحياء أعمال أدبية لا تستحقّ الحالتَين. قالوا وما الضير في الأمر، فالأدب في الأول والأخير مسألة ذائقة، وما يلائم "سين" منّا لا يستطعمه بالضرورة "صاد" و"كاف" من الناس.
الخلاصة
النقد هو موهبة مثل ملكة الرسم والغناء والتمثيل وقول الشعر. لا يستطيع الطائر من غير فصيلة البلابل التغريد مثلهم، وإن نحن أقرأناه ألف سمفونية وألف ألف قصيدة وأغنية ونشيد. يجب أن يكون الناقد فناناً في حقل النقد، وأن يخلع بدلاته التي تتشابه في اللون والنسيج والقيافة، ويرتدوا بدلاً عنها ثوب الإبداع.

