انتخابات العراق: بين الشرعية الدستورية والشرعية الشعبية
منذ عام 2005، شكلت الانتخابات في العراق الركيزة الأساسية لمنح النظام السياسي شرعيته أمام الداخل والخارج، إذ نص الدستور على جعل الاقتراع وسيلة إلزامية لتداول السلطة من دون أن يضع سقفاً أدنى لنسب المشاركة. غير أن هذه الشرعية التي يستمدها النظام من النصوص القانونية لم تعد كافية مع تصاعد موجة المقاطعة الشعبية، واتساع الفجوة بين الدولة والمجتمع.
تباين بين الشرعية الشكلية والشرعية الشعبية
هذا التباين بين الشرعية الشكلية التي يوفرها الدستور والشرعية الشعبية التي تُبنى على المشاركة الواسعة، جعل الانتخابات المقبلة استحقاقاً استثنائياً، ليس فقط بسبب موعدها المقرر في تشرين الثاني، بل لأنها تجري في ظل انقسام حاد بين فريق مقاطع يقوده الصدر ويراهن على نزع الغطاء الشعبي عن النظام، وفريق آخر يتمثل في الإطار التنسيقي وحلفائه يسعى لتثبيت حضوره عبر صناديق اقتراع قد تكون شبه خالية من الناخبين.
مقاطعة الانتخابات وآثارها
المقاطعة لم تعد مجرد موقف احتجاجي عابر، بل أصبحت خياراً استراتيجياً لقوى أساسية في المشهد العراقي. فالصدر، الذي يوصف بأنه صاحب أكبر قاعدة شعبية منظمة، أعلن بوضوح رفضه المشاركة، مستعيداً تكتيك الانسحاب الذي استخدمه في مراحل سابقة لإرباك خصومه. هذا القرار ترافق مع مواقف لقوى مدنية وشخصيات مستقلة رأت أن الانتخابات تحولت إلى عملية شكلية لإعادة إنتاج نفس الطبقة السياسية.
مستقبل النظام السياسي
في خضم هذا المشهد، قدّم الكاتب فلاح المشعل ثلاث فرضيات رئيسية لمستقبل النظام السياسي. الأولى استمرار العملية الانتخابية في موعدها مع بقاء النظام السياسي على حاله، مدعوماً من واشنطن وطهران، رغم كل مظاهر الفساد والمحاصصة. الثانية احتمال التغيير عبر متغير خارجي، إذا اندلعت حرب إقليمية كبرى بين إيران وإسرائيل أو الولايات المتحدة واصطف العراق إلى جانب طهران، وهو سيناريو يفتح الباب أمام تدخلات قد تعصف بالنظام القائم. أما الثالثة فهي المتغير الداخلي، أي تصاعد الاحتجاجات والمعارضة نتيجة ملفات مثيرة للجدل مثل قضية خور عبد الله وقوائم السفراء العائلية والاستبعادات الانتخابية، مع دور مرجح للتيار الصدري الذي يراقب المشهد بجهوزية لأي تحرك وطني.
تحديات النظام السياسي
لم تعد الانتخابات المقبلة مجرد محطة دورية لتجديد البرلمان، بل تحولت إلى اختبار لمدى قدرة النظام السياسي على إنتاج شرعية حقيقية. فمن الناحية القانونية ستبقى الانتخابات صحيحة حتى لو شارك خمسة في المئة فقط من الناخبين، لكن من الناحية السياسية فإن هذه النسبة الضئيلة تكشف انهيار الثقة بالنظام، وتضعف قدرته على الادعاء بتمثيل المواطنين. ومع اتساع دائرة المقاطعة، وارتباطها بقوى وازنة، يصبح البرلمان المقبل مهدداً بفقدان شرعيته حتى قبل أن يولد. وهنا تكمن خطورة المشهد: شرعية شكلية تستند إلى الدستور، مقابل فراغ شعبي وسياسي يعمّق هشاشة النظام، ويجعله أكثر عرضة للانقسام والضغط داخلياً وخارجياً.

