لغة الإشارة: جسر التواصل بين عالمين
تعد لغة الإشارة وسيلة أساسية للتواصل بين الصم والبكم، وتجعل منهم مجتمعًا متواصلاً بصرف النظر عن جنسياتهم ولغاتهم الأم. إنها لغة عامة يستعملها البشر الأصحاء أيضًا منذ بدأوا التعبير لغويًا، وربما قبل ذلك، أي في الفترة التي كانت فيها اللغة مجرد إيماءات وهمهمات وحركات جسدية أكثر منها نطقًا للأحرف.
لسان البشرية الأول
تعتبر لغة الإشارة لسان البشرية الأول، حيث تقوم على حركة اليدين والشفتين وبعض حركات الوجه. هذه الإشارات هي بقايا لغة أساسية مشتركة بين جميع البشر، لا تحتاج إلى قواميس أو قواعد، وهي تثبت أن الإنسان لم يتخل عن لغته الجسدية الأولى، بل يدمجها مع لغاته المنطوقة في حوار دائم بين الصوت والحركة.
كأية لغة منطوقة
لغة الإشارة هي كيان لغوي متكامل له نحو وصرف ومعجم، والأصم الذي يستخدمها يتحدث بلغته الأم، كما يتحدث العربي أو الفرنسي بلغته. هي لغة ولدت من الحاجة، ولكنها تجاوزت الضرورة لتصبح وسيلة وثقافة. مع القرن 18 بدأت مدارس الصم في أوروبا بتحويل الإشارات إلى نظام منهجي موثق، ومع الوقت تشكلت مجتمعات لغوية كاملة حولها، صاغت أشعارًا وقصصًا وفنونًا، ونقلت الذاكرة الجماعية من جيل إلى آخر.
اليوم الدولي للغات الإشارة
في 23 سبتمبر من كل عام، يلتفت العالم إلى لغة الإشارة عبر يوم دولي أقرته الأمم المتحدة عام 2017، وهو يوافق تأسيس الاتحاد العالمي للصم عام 1951، المنظمة التي وحدت نضال الصم عقودًا. هذا اليوم مساحة لطرح أسئلة حول توافر الأخبار والتعليم والخدمات للصم، وهل الأصم قادر على أن يعيش بكرامة من دون وسيط دائم، وهل يشعر بأنه حاضر في مجتمعه بلغته.
لغة تضج بالحياة
لغة الإشارة ليست صامتة، بل هي لغة مليئة بالإيقاع والحركة، كأنها موسيقى بصرية. اليد التي تعزف في الهواء، والعين التي تشدد على المعنى، والوجه الذي يضيف ظلالًا على الجملة، كلها عناصر تخلق خطابًا حياً يوازي أية لغة منطوقة. تجربة حضور فعالية أو محاضرة مترجمة إلى لغة الإشارة تكشف حقيقة ذلك، حين ترى القاعة تنقسم إلى جمهورين يلتقيان في لحظة واحدة، أحدهما يسمع بالصوت والآخر يرى بالحركة، تدرك أن الإنسانية ليست في الصوت وحده، بل في القدرة على أن نفهم بعضنا بعضاً بوسائل متنوعة.

