مقبرة توت عنخ آمون: صدع يهدد الأمان الإنشائي
بشقوق تمتد على الأسقف وطبقات صخرية تتقشر بفعل الرطوبة، وألوان جداريات تفقد بريقها تحت تأثير الفطريات، تبدو الآن مقبرة توت عنخ آمون بالأقصر، لتواجه أخطر مراحلها منذ اكتشافها عام 1922.
مقبرة مهددة بالانهيار
رصدت دراسات أن المقبرة التي تُعد من أصغر المدافن الملكية في وادي الملوك تعاني صدعاً رئيساً يمر بسقف غرفة الدفن والمدخل، وقد تسبب في شروخ سمحت بتسرب مياه الأمطار إلى الداخل، ومع طبيعة صخور الإسناشيل التي تتمدد وتنكمش مع تغير الرطوبة، أصبح خطر التشوهات والانهيارات قائماً على بنيتها وزخارفها الداخلية.
الأخطار التي تهدد المقبرة
وتضم مقبرة توت عنخ آمون أربع غرف رئيسة تشمل المدخل والغرفة الأمامية التي عثر فيها على الأثاث والعربات، وغرفة الدفن التي حوت التوابيت الثلاثة داخل بعضها، ثم غرفة الكنوز التي ضمت الأغراض الثمينة والرمزية، وحوت كذلك 5 آلاف قطعة أثرية من بينها القناع الذهبي الشهير وتماثيل مذهبة وأثاث فاخر وأسلحة وأدوات جنائزية، مما يدل على الطقوس المعقدة المرتبطة بالدفن الملكي.
الحلول اللازمة
كما بينت الدراسة أن الصدع الكبير الذي يقطع سقف غرفة الدفن وغرفة المدخل "سمح بتسرب مياه الأمطار وزاد التشققات، مما وضع السقف تحت ضغوط تتجاوز قدرة صخور الإسنـا شيل على التحمل، خصوصاً مع قابليتها للتمدد والانكماش عند تغير الرطوبة"، لتخلص الدراسة إلى أهمية "تقليل تذبذب الرطوبة للحفاظ على المقبرة عبر ضبط الظروف البيئية داخلها وتنفيذ برنامج مركز للتدعيم والترميم".
أهمية الحماية
ويقول أستاذ الترميم المعماري في كلية الآثار بجامعة القاهرة، محمد عطية هواش، إن معظم مقابر وادي الملوك منحوتة في الصخر، وعلى أعماق كبيرة، مما يجعلها عرضة للسيول التي تتكرر من حين لآخر، مسببة فجوات قد تغمرها المياه وتؤدي إلى تلف الجداريات، موضحاً أن طبيعة الجبال نفسها تعاني تصدعات واسعة، ليس في الوادي فقط بل أيضاً في منطقة الدير البحري حيث معبد الملكة حتشبسوت، ومشيراً إلى أن كثرة الشقوق والفواصل تهدد بانفصال كتل صخرية كبيرة قد تسقط وتدمر المقابر المجاورة.
التهديدات البيئية
وفي سياق ما توصلت إليه دراسة حميدة فإنها ليست المقبرة الوحيدة لكنها تمثل جرس إنذار يجب الالتفات له، ففي أي وقت قد تحدث كارثة تطاول مقبرة توت عنخ آمون، ولا ينبغي أن ننتظر حتى تقع الكارثة إذا كنا نريد فعلاً الحفاظ على وادي الملوك، مؤكداً أن المنطقة وعلى رغم تسجيلها ضمن "قائمة التراث العالمي" لـ "يونيسكو" كجزء من موقع مدينة طيبة القديمة ومقبرتها، لكنها ليست في مأمن من الخطر، متسائلاً عن غياب خطط إدارة الأخطار وصمت الجهات المسؤولة في مواجهة هذه التهديدات.
الحاجة إلى التحرك
ويشير الخبير الدولي في الترميم الأثري حجاج إبراهيم إنه حذر منذ عقود من تأثير المياه الجوفية في مقبرة توت عنخ آمون، لكن لم يتخذ أي إجراء لإنقاذها، والحل يكمن في الترميم الدقيق لحماية المقبرة على غرار ما جرى في ترميم مسرح الدراويش، مشدداً على ضرورة محاسبة المتساهلين الذين تركوا مقابر وادي الملوك حتى وصلت إلى هذا الوضع.
التوصيات
أما عضو "اتحاد الأثريين المصريين" عماد مهدي فيوضح أن التغيرات المناخية تمثل تهديداً لمقابر وادي الملوك، ومقبرة توت عنخ آمون تعاني تصدعات وتحيط بها مياه جوفية، مما يجعلها في وضع حرج يستدعي التدخل العاجل، مطالباً بضرورة المتابعة المستمرة وإجراء الصيانة والترميم بصورة دورية.
الخطة المستقبلية
وأشار الخبير الأثري إلى ضرورة إعداد خرائط شاملة للترميم ورصد جميع الأخطار التي تواجه المواقع الأثرية في مصر مع ترتيبها بحسب الأولوية والخطورة، مشدداً على أهمية تشكيل لجان محايدة من خبراء الجامعات تضم أثريين ومتخصصين في الترميم المعماري، بعيداً من المتعاونين مع المجلس الأعلى للآثار، ولافتاً إلى أن هناك دراسات أكاديمية مليئة بتوصيات عملية للصيانة والترميم وإعادة التأهيل لكنها بقيت بلا تنفيذ، مشيراً إلى مشكلة الاعتماد على شركات مقاولات غير متخصصة.
الحفاظ على التراث
وحذّر الحداد من أن مقبرة توت عنخ آمون مهددة بالانهيار بسبب الإهمال في ظل وجود صدوع رأسية ضخمة وتشوهات ورطوبة تؤثر مباشرة في النقوش الجدارية، مشيراً إلى أن كلفة إنقاذها ستكون مرتفعة مما يستدعي توجيه نداء عاجل بدعم من "يونيسكو" لترميم مقابر وادي الملوك، وختم متسائلاً "أين الخطط المستقبلية؟ ولماذا لا نملك أجهزة التنبؤ والرصد الجيوتقني والجيوبيئي المتوافرة في أماكن أخرى؟".

