الشرق الأوسط في لحظة تحولات عميقة
يقف الشرق الأوسط في لحظة تحولات عميقة، عنوانها الأبرز إعادة تشكيل منظومة التحالفات العسكرية والسياسية بعيداً عن الأطر التقليدية التي حكمت المنطقة لعقود. فالتراجع التدريجي للدور الأمريكي، وصعود أدوار إقليمية أكثر استقلالية، دفع دولاً مثل السعودية وباكستان إلى توقيع اتفاقيات دفاعية استراتيجية، فيما تنخرط أطراف أخرى في صراعات مفتوحة أو مسارات تطبيع متوازية. هذه البيئة المعقدة لا يمكن قراءتها بمعزل عن تحديات الأمن الطاقي العالمي، وانعكاسات الحروب بالوكالة، ومشاريع إعادة التموضع الجيوسياسي.
الاتفاقية السعودية الباكستانية: نقلة نوعية في العلاقات الثنائية
وفق المختص في الشؤون الدولية محمد صلاح تركي، فإن الاتفاقية التي تنص على أن أي اعتداء على أي من البلدين يعد اعتداء على كليهما، تمثل نقلة نوعية في مسار العلاقات الثنائية بين الرياض وإسلام آباد. فهي لا تجسد فقط عمق الروابط التاريخية بين البلدين، بل تؤكد أيضاً إدراكهما لحجم التحديات الأمنية المتنامية في المنطقة والعالم. هذه الخطوة لا يمكن قراءتها فقط كترتيب ثنائي، بل كجزء من سباق إقليمي لإقامة شبكات ردع مستقلة عن المظلة الأمريكية التقليدية، مع ما يحمله ذلك من أثر على توازن القوى في الخليج وجنوب آسيا.
تأثير الاتفاقية على الأمن القومي والتعاون الدفاعي
تركي يضيف أن هذه الخطوة تأتي في إطار سعي البلدين لتعزيز أمنهما القومي وتوسيع مجالات التعاون الدفاعي المشترك، بما يشمل تطوير القدرات العسكرية، وتبادل الخبرات، وبناء منظومة ردع استراتيجية قادرة على مواجهة أي تهديدات محتملة. كما أن الاتفاقية ترسل رسالة واضحة بأن أمن البلدين مترابط بشكل وثيق، وأن حماية استقرار المنطقة تتطلب بناء تحالفات قوية وفاعلة.
الأبعاد السياسية والدبلوماسية للاتفاقية
الخبير في الشؤون الاستراتيجية رياض الوحيلي يرسم صورة أوسع لتوازنات المنطقة، قائلاً إن الشرق الأوسط يقف اليوم عند مفترق طرق استراتيجي، حيث تعيش المنطقة حالة إعادة تشكيل واسعة للتوازنات الإقليمية، في ظل تراجع الاعتماد على القوى الدولية التقليدية وصعود أدوار إقليمية مستقلة. الوحيلي يشير إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية في المشهد الراهن: تعزيز الدول الخليجية لقدراتها الدفاعية والاقتصادية، تصاعد المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران، والتعايش المتوازي بين مسار تطبيع اقتصادي-أمني ومن مسار صراع عسكري متصاعد.
موقع العراق وسط التوازنات الإقليمية
الوحيلي يشير إلى أن العراق يقف في قلب هذه المعادلات، لكنه يواجه تحدياً مزدوجاً، فمن جهة يشكل ساحة ضغط متبادل بين الولايات المتحدة وإيران، ومن جهة ثانية يمتلك فرصة ليكون جسراً للتواصل والتجارة والدبلوماسية بين الخليج وتركيا وإيران إذا ما نجح في ضبط سلاح الفصائل وتوحيد قراره السيادي.
مستقبل المواجهة مع إسرائيل
الوحيلي يرسم ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل المواجهة مع إسرائيل: تصعيد محدود متكرر، حرب إقليمية واسعة، وتجزئة المسار الإقليمي بحيث يستمر بعض العرب في مسار التطبيع مع إسرائيل، في حين تبقى المواجهة محتدمة مع إيران عبر أذرعها الإقليمية.
انعكاسات ذلك على العراق
الوحيلي يوضح أن بغداد معرضة لمخاطر جدية في حال استمرار استخدام أراضيها كساحة مواجهة أو منصة لإطلاق هجمات بالوكالة، ما قد يعرضها لعقوبات وضربات خارجية. وفي المقابل، يمكن للعراق أن يحقق مكاسب كبرى إذا لعب دور الوسيط النشط وركز على تعزيز دوره الاقتصادي عبر مشاريع الربط الإقليمي والممرات التجارية.
التحديات والفرص المستقبلية
الشرق الأوسط يتجه نحو نظام متعدد المحاور، ليس فيه استقرار كامل ولا حرب شاملة، وإنما حالة من التوازنات الهشة والصراعات المحدودة. بالنسبة للعراق، فإن معركته الأساسية هي معركة السيادة الداخلية وضبط السلاح، وإذا نجح في ذلك، فسيكون لاعباً مؤثراً ووسيطاً مقبولاً، أما إذا بقي أداة في صراعات الآخرين فسيدفع ثمناً باهظاً.

