الأزمة النقدية في العراق: أسباب ونتائج
خلفية الأزمة
منذ نهاية عام 2020، حين قررت حكومة مصطفى الكاظمي رفع سعر الصرف الرسمي من 1180 إلى 1450 ديناراً للدولار، دخل العراق في مسار اقتصادي متقلب ما يزال مستمراً حتى اليوم. ذلك القرار، الذي اتخذ في ذروة أزمة انهيار أسعار النفط، أنقذ الموازنة العامة مرحلياً لكنه فتح الباب أمام موجة تضخم أفقدت الدينار استقراره الطويل.
التغييرات في سعر الصرف
مع وصول حكومة محمد شياع السوداني، اتخذ البنك المركزي مطلع 2023 خطوة تصحيحية بتخفيض السعر إلى 1320، في محاولة لتخفيف الضغط الشعبي. غير أن الأزمة تعمقت لاحقاً مع فرض المنصة الإلكترونية التي ربطت عمليات التحويل برقابة مباشرة من الاحتياطي الفدرالي الأمريكي. وبرغم أن المنصة أُلغيت هذا العام، إلا أن السوق لم يستعد توازنه، حيث بقي الفارق بين السعر الرسمي الجديد البالغ 1144 ديناراً للدولار وبين السوق الموازي عند حدود 10 إلى 12 نقطة على الأقل.
تأثير الأزمة على السوق
أوضح المختص في الشأن المالي والاقتصادي عبد الرحمن الشيخلي أن "سوق الصرف في العراق يشهد تذبذباً ملحوظاً في أسعار الدولار مقابل الدينار، وهو ما يترك انعكاسات مباشرة على الواقع الاقتصادي والتجاري". هذا التذبذب يترك انعكاسات مباشرة على الواقع الاقتصادي والتجاري، حيث يؤثر على استقرار الأسعار ويزيد من التضخم.
إجراءات ترقيعية
رغم محاولات الحكومة والبنك المركزي احتواء الأزمة، بقيت التدخلات في نظر عدد من الخبراء بلا أثر عميق. فقد وصف الخبير الاقتصادي ناصر الكناني محاولات السيطرة على السوق بأنها "إجراءات ترقيعية"، موضحاً أن "أغلب القرارات التي تتخذ من قبل الحكومة والبنك المركزي لا تعالج المشكلة".
المنصة الإلكترونية وإلغاء القيود
كانت المنصة الإلكترونية أبرز أدوات الرقابة الأمريكية على التحويلات. إذ ألزمت المصارف بكشف هوية المستفيد النهائي خلال 24 ساعة فقط. هذا الإجراء دفع العديد من المصارف والتجار إلى العزوف عن التعامل المباشر مع نافذة العملة. وبرغم أن المنصة أُلغيت هذا العام، فإن أثرها ظل ماثلاً من خلال استمرار فجوة لا تقل عن 10–12 نقطة بين السعر الرسمي الجديد والسوق الموازي.
أسْر الدولار
حاول البنك المركزي مواجهة الأزمة عبر فتح قنوات للتحويل بعملات بديلة. غير أن الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي أشار إلى أن "العراق سيبقى أسيراً للدولار ما دامت صادراته النفطية مقومة به". وبحسب قراءات بحثية، فإن التنويع يبقى ذا أثر محدود.
السياسة النقدية والتجارية
يضيف الشيخلي أن "استمرار هذا التذبذب يضعف ثقة المستثمرين ويؤخر الكثير من الخطط التجارية". هذا التشخيص يلتقي مع ما كان قد صرّح به المسؤول السابق في البنك المركزي محمود داغر حين أكد أن "السياسة النقدية لا يمكن أن تعمل بمعزل عن السياسة المالية والتجارية".
البعد السياسي والإقليمي للأزمة
لم تكن الأزمة النقدية بمعزل عن التوازنات الإقليمية. فقد أوضح داغر في وقت سابق أن "مضمون الأزمة الحالية هو صراع الولايات المتحدة وإيران". هذا البعد السياسي يعزز فرضية أن الأزمة النقدية ليست مجرد خلل اقتصادي، بل انعكاس مباشر للصراعات التي يتأثر بها العراق.
النتائج الاجتماعية
وختم الشيخلي بالتأكيد أن "استقرار سعر الصرف يشكل عاملاً محورياً في دعم النمو الاقتصادي، وتنشيط القطاع التجاري، وحماية دخل المواطن العراقي من التآكل". هذا البعد الاجتماعي يعكس أن المواطن يبقى الطرف الأكثر تضرراً من كل موجة تذبذب.
أزمة تراكمية
المسار الممتد من خفض الدينار عام 2020 إلى تخفيض السعر في 2023، إلى تجربة المنصة وإلغائها في 2025، يوضح أن الأزمة تراكمية الطابع. ما تغيّر هو الأدوات، وما لم يتغيّر هو هيمنة السوق الموازي على حركة الصرف. الأثر المتوقع يتمثل في استمرار الفجوة بين الرسمي والموازي ما لم تُعالج الاختلالات البنيوية.

