الحرب الجوية الأولى: قصة بالونات قتالية ضد البندقية
خلال منتصف القرن الـ19، كانت أوروبا تموج بالثورات القومية المطالبة بالاستقلال والوحدة. وفي عام 1848 أعلنت البندقية انفصالها عن الإمبراطورية النمسوية، وأقامت ما سمي "جمهورية سان ماركو". لكن هذه الجمهورية الوليدة لم تعمر طويلاً، إذ قررت فيينا سحق التمرد بالقوة.
حصار البندقية
أرسل النمسويون جيشاً بقيادة المارشال جوزيف فون رادي تسكي لفرض حصار شامل على المدينة. ولأشهر طويلة، عاش سكان البندقية تحت ضغط اقتصادي وصحي رهيب، خصوصاً مع انتشار وباء الكوليرا ونقص الغذاء. لكن على رغم القصف المدفعي والضغط العسكري رفض الأهالي الاستسلام، مفضلين الموت على العودة للسيادة النمسوية.
فكرة غريبة… البالونات قنابل طائرة
هنا ظهرت الفكرة الأكثر غرابة في تاريخ الحروب، إذ اقترح الملازم فرانز فون أوشاتيوس، وهو ضابط في الجيش النمسوي ومهندس بارع، استخدام بالونات ورقية وقماشية ضخمة محملة بالمتفجرات، لتدمير معنويات سكان البندقية وإجبارهم على الاستسلام.
لحظة الإطلاق
خلال الـ22 من أغسطس (آب) 1849 استخدمت القوات النمسوية سفينتها الحربية "SMS Vulcano" لإطلاق بالونات محملة بالمتفجرات باتجاه مدينة البندقية، ضمن تجربة وصفت لاحقاً بأنها أول محاولة بدائية لـ"القصف من الجو". وكان الهدف أن تحمل الرياح هذه البالونات فوق أحياء المدينة لتنفجر فوق منازلها وسكانها، لكن التقنية ظلت بدائية للغاية.
التجربة الثانية ونتائج محدودة
لم ييأس النمسويون وأعادوا التجربة خلال اليوم نفسه لكن النتيجة لم تختلف كثيراً، فانفجرت بعض البالونات فوق منازل في أطراف المدينة مسببة حرائق محدودة، وسقط معظمها في البحر أو عاد ليفجر خطوط الجيش المهاجم.
إرث عسكري جديد
لم تحقق بالونات أوشاتيوس الهدف العسكري المرجو، لكنها دشنت مفهوماً سيعيش طويلاً وهو القصف من السماء. فبعد نحو ستة عقود وخلال عام 1911، نفذت إيطاليا أول قصف جوي حقيقي باستخدام الطائرات ضد المدن الليبية، مما اعتبر بداية عصر جديد من الحروب الجوية.
أما بالنسبة إلى النمسا، فقد أثبتت التجربة أن التكنولوجيا يمكن أن تسبق زمنها أحياناً، لكنها تفتح آفاقاً ستستغل لاحقاً بصورة أكبر وأخطر. ومنذ ذلك الحين صار استخدام السماء أداة مركزية في كل الحروب الحديثة، من الطائرات القاذفة خلال الحربين العالميتين إلى الطائرات المسيرة اليوم.

