تقلبات اقتصادية في العراق مع اقتراب الانتخابات النيابية
تأثير عدم اليقين على الأسواق
يشهد العراق في الفترة التي تسبق الانتخابات النيابية تقلبات اقتصادية واضحة، تعكس حساسية العلاقة بين الاستحقاقات السياسية الكبرى والاستقرار المالي. فمن المعروف أن الأسواق في الأنظمة التي ترتبط فيها السياسات الاقتصادية بالمخرجات السياسية تتأثر مباشرة بمناخ عدم اليقين، وهو ما يتجسد حالياً في سوق الصرف المحلي.
تغيرات في سعر صرف الدولار
بعد أن كان سعر صرف الدولار قد انخفض في وقت سابق إلى ما دون 140 ألف دينار لكل 100 دولار، عاد ليسجل في التعاملات الصباحية بالبورصة الرئيسية ببغداد 143250 ديناراً لكل 100 دولار، فيما بلغ في الأسواق المحلية 144250 ديناراً للبيع و142250 ديناراً للشراء. هذا المناخ يفسر جانباً من موجة الارتفاع الأخيرة في أسعار الدولار.
أسباب الارتفاع في سعر صرف الدولار
يشير المختص في الشأن المالي والاقتصادي ناصر التميمي إلى أن استمرار صعود الدولار يرتبط بـ"حالة الترقب وعدم اليقين التي تسبق الانتخابات النيابية المرتقبة، إضافة إلى عوامل اقتصادية ومالية داخلية متراكمة". هذه الإشارة تسلط الضوء على أن العوامل السياسية ليست منفصلة عن الدورة الاقتصادية، بل تُضاف إلى ضغوط قائمة أصلاً، مثل العجز في إدارة السياسة النقدية وضعف أدوات الرقابة المالية.
البعد السلوكي للأسواق
يوضح التميمي أن "غالباً ما تشهد الأسواق المالية تقلبات ملحوظة كلما اقتربت الاستحقاقات السياسية الكبرى، خاصة في الأنظمة التي ترتبط فيها القرارات الاقتصادية بمخرجات العملية السياسية". يشير إلى أن المستثمرين والمتعاملين يلجأون عادة إلى الدولار كمخزن للقيمة "في ظل تراجع الثقة بالاستقرار النقدي في المرحلة المقبلة".
الممارسات الاقتصادية الداخلية
يلفت التميمي إلى جانب آخر يرتبط بالممارسات الاقتصادية الداخلية، مبيناً أن "بعض القوى الاقتصادية المحلية تستغل أجواء الانتخابات في المضاربات أو نقل الرساميل إلى الخارج تحسباً لأي تغيرات محتملة في السياسات المالية أو في مراكز القرار الحكومي". هذه الممارسات تؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار داخلياً وتُضعف الثقة في العملة الوطنية.
الحاجة إلى استقرار نقدي
يشدد التميمي على أن "الاستقرار النقدي لا يتحقق فقط عبر الأدوات الاقتصادية، بل يتطلب أيضاً بيئة سياسية واضحة المعالم، وتواصل شفاف من قبل الدولة مع المواطنين والأسواق". هذه الملاحظة تؤكد أن غياب الحسم في الملفات السياسية الكبرى لا يقتصر أثره على موازين القوى، بل يمتد ليشكل عبئاً إضافياً على سعر الصرف.
الأثر المباشر على المواطن العادي
تبيّن قراءة المشهد أن ما تغيّر في المرحلة الحالية هو ارتفاع درجة الحساسية السياسية للأسواق مع اقتراب الانتخابات، فيما لم تتغيّر حقيقة أن أدوات السياسة النقدية وحدها غير قادرة على تحقيق الاستقرار ما لم ترافقها بيئة سياسية مستقرة. الأثر المباشر يتمثل في زيادة الضغط على العملة الوطنية وارتفاع كلفة المعيشة على المواطن العادي. وبذلك، يظل الرابط بين السياسة والاقتصاد في العراق وثيقاً، حيث تصبح الانتخابات اختباراً مزدوجاً: اختباراً للعملية الديمقراطية، واختباراً لاستقرار السوق النقدي في آن واحد.

