حصيلة الصدمة: بغداد بين الحملات الأمنية وفراغ السياسة الردعية
غياب السياسة الردعية وتكامل الحملات الأمنية
كل مرة تُعلن فيها بغداد عن حصيلة ثقيلة من الأسلحة والمخدرات والمطلوبين، يتبيّن أن الحملات الأمنية وحدها لا تكفي، وأن العاصمة بحاجة إلى سياسة ردع دائمة تتجاوز الطابع الموسمي. غياب هذه السياسة يسمح بتراكم أكداس السلاح في الأحياء، لتتحول مع الوقت إلى بؤر قابلة للانفجار في نزاعات دموية تعيد المشهد إلى نقطة الصفر.
الحصيلة الصادمة: أسئلة دون إجابات
الحصيلة الصادمة التي أعلنتها قيادة عمليات بغداد في واجب "السعادة والرشاد"، والتي بلغت (593) نشاطاً أمنياً شملت أسلحة وقاذفات ومخدرات وعصابات، فتحت الباب أمام أسئلة أكثر خطورة: أي عاصمة هذه التي يمكن أن تُخزن فيها ترسانة حرب بعيداً عن أعين الدولة؟ وأين كانت القوات الأمنية قبل أن يتضخم المشهد إلى مستوى "الحرب"؟
رؤى الخبراء: بين تعزيز العمليات الأمنية والقرارات الاستثنائية
الخبير الأمني العميد المتقاعد عدنان الكناني يرى أن "إطلاق وزارة الداخلية عملية أمنية واسعة في بغداد خطوة بالغة الأهمية في هذه المرحلة، كونها تعزز من فرض سلطة القانون وتعيد الطمأنينة إلى المواطنين". غير أن أهمية هذه العملية، بحسب محللين، لا تلغي حقيقة أن ما ضُبط اليوم هو صورة لفراغ أمني طويل، كانت نتيجته نزاعات دامية مثل الذي شهده حي السعادة مؤخراً.
نجاح العملية وثقة المواطن
الكناني يؤكد أن "نجاح هذه العملية مرهون بالتنسيق العالي بين الأجهزة الأمنية والاستخبارية، وبمشاركة المجتمع من خلال التعاون والإبلاغ عن أي نشاط مشبوه". هذا الشرط يعكس حاجة الدولة إلى بناء ثقة متبادلة مع المواطن، وهو ما تراجع بفعل مشاهد النزاعات التي أرهقت سكان العاصمة وجعلت الأمن بالنسبة لهم موسوماً بالارتجال لا بالثبات.
مقترحات радيكالية لمواجهة النزاعات
أما الباحث في الشأن السياسي غالب الدعمي فقدّم مقترحاً إلى وزير الداخلية، في وقت سابق، تضمّن اعتقال جميع أفراد العائلتين المتنازعتين في حي السعادة، سواء المشاركين بالاشتباك أو غير المشاركين، مع ترحيلهم من بغداد ومنعهم من دخولها مجدداً، وتهديم منازلهم فوراً. ورغم قسوة الطرح، فإن الدعمي يعكس غضباً مجتمعياً متصاعداً من نزاعات تتكرر بلا رادع.
مستقبل بغداد: بين الحملات الأمنية وفرض القانون
هنا تتقاطع رؤى الخبراء؛ بين من يدعو إلى تعزيز العمليات الأمنية وتطوير أدواتها الاستخبارية، ومن يذهب إلى المطالبة بقرارات استثنائية تستأصل جذور النزاع من أساسها. فهل تكون حصيلة "السعادة والرشاد" بداية لمرحلة جديدة من فرض القانون وهيبة الدولة، أم ستظل بغداد تنتظر حصائل ثقيلة كل مرة، بلا تغيير حقيقي في معادلة السلاح والنزاع؟

